للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق " (١) ولقد قال بعضا الحكماء (الق صاحب الحاجة بالبشر، فإن عدمت شكره لم تعدم عذره).

وإنه ظاهر من هذا أن قول المعروف يكون لصاحب المصلحة الشخصية الذي يطلب من المنفق مباشرة. ولقد ذكر الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده أن قول المعروف يكون أيضًا عندما يكون الإنفاق في المصلحة العامة، وإنه يكون كفاءها، ومساويًا لها، وخيرًا من الصدقة التي يتبعها أذى، وذلك بالتحريض على العمل، وعلى الإنتاج، وعلى الإعطاء، ويكون بالدعوة إلى كل ما فيه رفعة الأمة وتقوية عناصرها والتعاون بين آحادها، وإن ذلك بلا ريب فضله لَا يقل عن الإنفاق من غير مَنٍّ، ويزيد عن الإنفاق مع المَنِّ والأذى.

والمغفرة معناها الستر أو العفو، والمراد: إما الستر من المطلوب منه العطاء، وعانوه، وذلك بأن يستر خلة المحتاج ولا يعلن سوء حاله، ويجعلها موضع حديثه، ويعفو عنه إذا أغلظ أو جفا، أو أثقل في السؤال، وألحف في المسألة، وإما أن نقول إن المغفرة هي مغفرة الله سبحانه وتعالى للمسئول إذا لم يعط من غير شح ولا بخل.

والمعنى على هذا التخريج: إن قول المعروف مع مغفرة الله سبحانه وتعالى خير من الصدقة يتبعها الأذى. والوجه الأول أظهو وأبين، وهو المتفق مع سياق القول.

وقد ختم الله سبحانه الآية بقوله تعالى: (وَاللَّهُ غَنِيٌ حَلِيمٌ) لإثبات أن الذين يعطون إنما يقصدون وجه الله بعطائهم لينفعوا عباده، فإذا لم يقصدوا وجهه تبارك وتعالى؛ ويطلبوا رضوانه، فإنه غني عنهم، وهو بغناه الذي يعلو فوق كل تقدير يستطيع أن يجعل الفقير غنيا يعطي، والغني فقيرًا يسأل، فالمال مال الله، وهو غاد ورائح والله سبحانه وتعالى حليم، وعلى الناس أن يتخلقوا بأخلاق الله تعالى، ولله المثل الأعلى، وليس كمثله شيء، فلا يصح أن يدفعهم حمقهم لأن يقولوا


(١) رواه الترمذي: البر والصلة (١٨٩٣)، وأحمد (١٤١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>