للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصف بأخص ما يطلب له الثمر الجيد الطيب المستساغ وهو أن يؤكل، ومعنى " ضعفين " أي أنها آتت بضعفي ثمر غيرها من الأرض، والضعف معناه هنا المثل، وقد ذكرنا ذلك من قبل، أي أن توافر هذه الأسباب جعلها تنتج بمقدار مرتين مما ينتج غيرها. ويصح أن يكون المراد من الضعفين الكثرة المطلقة من غير تقيد باثنين كما في قوله تعالى: (ارْجِعِ الْبَصَرَ كرَّتَيْنِ. . .).

ولكن تلك الأرض الطيبة المباركة التي شبهت بها نفس المؤمن الطيبة، ربما لا يصيبها الوابل وهو المطر الغزير فلا يننتج طيبًا في هذه الحال؛ فبين سبحانه وتعالى أنها تنتج أيضًا بمطر قليل، ولذا قال تعالى (فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ) والطل أضعف المطر، وزرع الطل أضعف من زرع المطر الغزير وأقل ريعًا، ولكن يكون في عيدانه قوة تماسك ونفع.

ولكن هل يكون المعنى في الآية أنها تنتج ضعفين، كما أنتجت في حال الوابل؟ بين أيدينا منهاجان:

أولهما أن نقول: إنها تنتج مثلها بما توافر فيها من علو يجعل الشمس تخلل أجزاءها فتمدها بغذاء يغنيها عن كثرة الماء، وبما فيها من خصب تتوافر فيه عناصر التغذية أكثر من غيرها، فيكون ذلك معوضًا لها عن قلة الماء، وتكون النتيجة على هذا التوجيه أن قلة الماء وكثرتها سواء، لتوافر أسباب النماء. هذا هو التوجيه الأول.

أما التوجيه الثاني فهو أن نقول: إن المعنى أنها تنتج على كل حال، فإن كان المطر غزيرًا أنتجت كثيرًا وإن كان المطر قليلا فالإنتاج وإن قل طيب نافع، وإن كانت الربوة هي المقابلة في التشبيه للنفس المؤمنة الطيبة، فيكون المعنى أن النفس التقية المؤمنة التي تبغي بإنفاقها رضوان الله تعالى، وتثبيت إيمانها وتصديقها بالإنفاق في سبيله، لإنفاقها إنتاج عظيم، ونعيم مقيم، إن قلَّ فهو في نفعه كالثمر الذي ينتج من الربوة الخصبة التي يصيبها طل، وإن كثر فهو كتلك الربوة تؤتي ثمرتها ضعفين إن أصابها وابل، وعلى ذلك فالقليل والكثير ذو نفع عظيم وخير عميم.

<<  <  ج: ص:  >  >>