وما المراد بالطيب؛ للعلماء في ذلك منهاجان: قال بعضهم: إن المراد بالطيب الحلال، أي أن الإنفاق الذي يقبله الله سبحانه وتعالى هو الإنفاق من المال الحلال الذي كسب من طريق حلال؛ فإن الله سبحانه وتعالى لَا يقبل إلا طيبًا، ولا يريد من العبد إلا خيرا، فمن كان يريد بعمله وجه الله تعالى فلا يكسب إلا حلالا، ولا ينفق إلا من حلال. ولقد روى الإمام أحمد رضي الله عنه في ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" إِنَّ اللهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللهُ الدِّينَ، فَقَدْ أَحَبَّهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يَسْلَمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ، وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ "، قَالُوا: وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ:" غَشْمُهُ وَظُلْمُهُ، وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلَ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ "(١).
وعلى هذا التخريج يكون الاتجاه في الآية هو الحث على الإنفاق من الحلال دون الحرام، ويكون بالنتيجة اللازمة الحث على طلب الحلال؛ لأنه إذا كان الكسب الحرام لَا يقبل في الصدقات، فأولى أن يكون الأكل منه إثمًا يلقي في نار جهنم، ومن يأكل منه كمن يأكلون في بطونهم نارًا.
فيكون على هذا القول، المرمى يتجه إلى أمرين: الحث على طلب الحلال في الإنفاق، والحث على طلب الحلال من المكاسب، دون المآثم منها.
هذا هو القول الأول في تفسير الآية؛ وهو كلام في ذاته صحيح تؤيده الأحاديث والمعاني الدينية القررة الثابتة، ولكنه لَا يتفق مع سياق الآية ولا موضوعها ولا معنى كلمة الطيب في مقامها؛ ولذلك رجح أكثر العلماء التفسير الثاني لمعنى الطيب وهو أن المراد به الجيد في نفسه؛ لأن كلمة طيب على وزن فيعل من طاب،
(١) رواه أحمد (٣٤٩٠) في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.