(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ختم سبحانه وتعالى الآية بهذه الجملة السامية، وهي تتضمن التذكير بالله تعالى ذي الجلال والإكرام، وإشعارهم برقابته على أفعالهم وصدقاتهم، ولذا ذكر لفظ الجلالة الذي يربي المهابة وخشيته سبحانه في النفوس؛ لأنه المعبود وحده، المسيطر على كل ما في الوجود وحده، وقد تضمنت الجملة وصف الله سبحانه وتعالى بوصفين كريمين مناسبين:
أولهما: وصفه بأنه سبحانه غني، فمن يعطي الفقراء فهو يقرض غنيًا يضاعف ما أقرض عند العطاء، وهو غني فلا يقبل إلا الجيد الذي يقدم بنفس سمحة، وبقلب مطمئن ممن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وهو الحميد، أي الذي يستحق أن يحمد، ولا يحمد سواه؛ لأنه المعطي الوهاب؛ فهو الذي وهب الغني غناه، واختبر الفقير بفقره، وكان حقا على من أعطاه أن يحمده، والحمد أن يجود من ماله سمحًا في جوده، قاصدا إلى الطيب من ماله يجود به، فإن خالف ذلك فقد أخطأ مرتين: مرة لأنه لم يقرض الله قرضا حسنًا، وهو الغني المعطي، ومرة ثانية؛ لأنه أخل بواجب الحمد، فالاعتراف بالنعمة للمنعم كان يوجب عليه أن يعطي خير ما في يده، ورجاء الثواب، ورجاء دوام هذه النعمة، كان يوجب عليه مضاعفة العطاء، لَا تحري البخس منه.