ولذا قال الله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ... )، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها "(١).
وقد يقول قائل: ما موضع هذه الآية من آيات الصدقات؛ فنقول: إن الله سبحانه وتعالى أشار إلى أن المنفق عليه أن يستولي على نفسه، وأن يدفع دواعي الشر، ويحمي قلبه منها، وأن يجيب نداء الله تعالى؛ وفي هذه الآية أن تلك هي الحكمة، فالحكمة في ضبط النفس، ومنعها من أهوائها والسيطرة عليها، وإطاعة الله تعالى.
ومن الناس من يحسب الحرص والضنَّ بالمال حكمة، ويدَّعي أن ذلك من الاقتصاد، وأن الإنفاق إسراف، فأشار سبحانه أن التصدق هو الحكمة، بذكر آية الحكمة في آيات الصدقة.
وإن الحكمة نور يقذفه الله في قلب المؤمن الذي يطلب الحق ويتجه إليه ويقصده؛ فإنه إن استولى على نفسه وطلب مرضاة الله تعالى آتاه الله نورًا به يبصر الحق، فأشرق في قلبه الإيمان به فاندفع إلى العمل الصالح، إذ إن الاتجاه المستقيم، بقلب مخلص سليم، يكون معه نور الحكمة، إذ يقذف الله سبحانه وتعالى به في قلبه، فيكون الفكر المستقيم الذي يصيب الحق، ويكون القلب الذي يؤمن به، ويكون العمل النافع؛ ولذا يقول بعض العلماء: إن الحكمة هي العلم النافع الذي يكون معه العمل.
هذا معنى قوله تعالى:
(١) متفق عليه؛ رواه البخاري: العلم - الاغتباط في العلم والحكمة (٧١)، ومسلم: صلاة المسافرين: - فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه (١٣٥٢) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وفي الباب عن عن عبد الله بن عمر، وعند البخاري عن أبي هريرة أيضا.