للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: " في كل كبد رطبة أجر " (١) وفي رواية لغيرهما " فى كل كبد حَرَّى أجر " (٢) فهذا يدل على أن الرحمة بكل الأحياء فيها أجر، فكيف بالرحمة بالإنسان.

بعد بيان أن صدقة السر فيها خير وصدقة الجهر موضع ثناء ومدح، قال سبحانه: (وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ) أي أنه سبحانه وتعالى يستر السيئات التي يرتكبها الشخص، ويخفيها ولا يظهرها عند الثواب والجزاء، فلا يحاسب عليها أصحابها إذا تصدقوا وأعطوا مبتغين وجه الله تعالى في صدقاتهم. و " من " في قوله تعالى: (مِّن سَيِّئَاتِكُمْ) إما أن تكون " مِنْ " البيانية، والمعنى أن الصدقات تكفر السيئات وإما أن تكون " من " الدالة على البعضية، أي أن الله سبحانه وتعالى يكفر للمتصدقين من الخطايا بمقدار ما يتصدقون من صدقات، وينفقون ابتغاء وجه الله تعالى. وعندي أن " مِنْ " بيانية؛ لأن النفس التي تفيض خيراتها وتتجه إلى الله تعالى في صدقاتها لَا تبغي إلا مرضاته، فلا تبغي رياء ولا نفاقًا، ولا جاهًا في الدنيا، نفس برة تقية لم تحط بها خطيئاتها والنفس التي تكون على هذا النحو لا تسيطر عليها المعاصي، فيكون غفران الله تعالى لما كان منها من سيئات في بعض الأحوال.

وقوله: (وَيُكَفرُ عَنكُم مِّن سَيئَاتِكُمْ) قال بعض العلماء: إنه بالنسبة لصدقة السر؛ ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: " صدقة السر تطفئ غضب الرب " (٣) وقال بعضهم: إن الصدقة بنوعيها تكفر السيئات؛ وذلك أوضح من الأول؛ لأن الصدقة إن سلمت من الرياء وقدمها الشخص طائعًا مختارًا ولو بإعلان هي حسنة مقبولة، والله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. . .)، ولقد روي أن


(١) رواه البخاري: المساقاة - فضل سقى الماء (٢١٩٠)، ومسلم: السلام - فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها (٤١٦٢).
(٢) رواه ابن ماجه: الأدب - فضل صدقة الماء (٣٦٧٦) وأحمد (٦٧٧٨) عن عبد الله بن عمرو بنحوه.
ذات كبد: كل ما فيه روح. حرى: من شدة الحر، وهو كناية عن شدة العطش.
(٣) جامع الأحاديث والمراسيل: الجامع الصغير وزوائده - الصاد مع الدال.

<<  <  ج: ص:  >  >>