للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لَا تعلم شماله ما تنفق يمينه " (١).

وقال بعض العلماء: إن صدقة الفرض المقدَّر الأحب فيها الإعلان؛ وصدقة الفرض المقدَّر هي الزكاة وصدقة الفطر. والصدقة غير المقدَّرة الأحب فيها الستر حتى لَا يؤذي الفقير. ولقد أثر عن ابن عباس أنه كان يقول: (جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفًا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا).

إنه بلا شك صدقة الفريضة المقدرة تكون علنًا، وهي معلنة بحكم أن الإمام يجمعها بعماله، أو بمن ينوبهم عنه؛ وأما صدقة التطوع فإنه بلا شك واضح أن سترها أولى للبعد عن الرياء، ولعدم إيذاء الفقير؛ ولكن قد يكون في إعلانها ما يتحقق به الأسوة، ويكون كدعوة عامة للإنفاق في باب معين من أبواب غير المفروضة، فيكون في الإعلان خير يفوق خير الستر، ولكن بشرط البعد عن الرياء؛ ولذلك كان السر في غير الفريضة المقدرة التي يجمعها ولي الأمر، والأمر متروك لتقدير المنفق، لأنه يتصل بقلبه أخلا من الرياء أم شابته شوائبه؟ ولأنه يعرف حال الفقير الذي يعطيه، أَويؤذيه الإعلان أم لَا يؤذيه؛ ولأنه هو الأدرى بفائدة الإعلان وفائدة الستر في أمر صدقته.

هذا هو الحكم العام في الصدقات في ماضيها عندما كان الناس يقومون بمراقبة نفوسهم، وإنه بالنسبة لزماننا وقد ساد النفاق، وسيطر الرياء، وعطلت الفرائض نرى أن - الستر أولى حتى تهذب النفوس، وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الصدقة أفضل؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: " سر إلى فقير أو جهد من مقل " (٢).


(١) روى البخاري هذا الحديث في ثلاثة مواضع، ورواه كاملا في موضعين منهما ولفظه: الأذان - باب من جلس ينتظر الصلاة وفضل المساجد (٦٢٠). كما رواه الترمذي ومالك وأحمد.
(٢) جزء من حديث طويل رواه الإمام أحمد (٢١٢٥٧) في مسنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>