للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روحية سامية حسبها جزاء للصدقة، ولو كان المعطَى كافرًا عاصيًا ولقد قال بعض الصوفية في معنى (ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) أي يطلب المتصدق وجه الباقي، أي الناحية الباقية في الدنيا والآخرة، وهي ناحية الله تعالى؛ ولذا يقولون إن لكل شيء ولكل عمل وجهين: وجهًا يتجه إلى هذا العالم وما فيه من أناسي، وهو الوجه الفاني، والوجه الثاني هو الوجه الدائم الباقي، وهو رضا الله تعالى.

هذه هي الناحية الثانية من الخيرية في النفقة بالنسبة للمنفق من غير نظر إلى من أنفق عليه.

أما الناحية الثالثة: فهي التي بينها قوله تعالى: (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) في هذه الآية الكريمة يبين سبحانه جزاء الصدقات، من حيث إنها تعود على المنفق مغباتها وثمراتها؛ والمعنى: أن ما تنفقون من خير في هذه الدنيا يوفى إليكم جزاؤه في هذه الدنيا، وفي الآخرة؛ أما في الآخرة فبالنعيم المقيم الخالد، وهو أضعاف مضاعفة للصدقة، وجزاؤها في الدنيا من حيث إنها تقوية للعناصر الضعيفة في الأمة، فتنقلب إلى عناصر قوة تمدها بالخير والمعونة الصادقة، فتكون قوة عاملة منتجة تعود ثمرات أعمالها إلى الجميع ومنهم المنفقون، وإن الفقراء إن لم يعطوا كانوا أداة تخريب وهدم، والصدقة تجعلهم عنصر عمل وبناء، وخير ذلك للجميع.

وقد أشار سبحانه إلى أن ذلك الجزاء الدنيوي والأخروي هو للصدقة، وكأنه وفاء لها مولَّد منها؛ ولذا سماه بها، فقال: (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكمْ) أي يعود إليكم ذات الخير، فالجزاء لأنه ثمرة لازمة كأنه هو نفس الإنفاق، والنتيجة لأنها متولدة عن الإنفاق كانت كأنها هو. ثم ختم سبحانه الآية بقوله: (وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أي لَا تنقصون أي جزاء لعمل قدمتموه لَا تبغون به إلا وجه الله تعالى، وهو العليم الحكيم القادر على كل شيء، وإلى الله المصير.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>