للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكلمة (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ما موضعها في الوصف المذكور؟ قال بعض العلماء: إن كلمة في سبيل الله في هذا المقام فيها إشارة إلى سبب الإحصار والمنع، وهو أنهم حبسوا أنفسهم للعمل في سبيل الله، وانقطعوا عن المكاسب وطلب الرزق؛ لأنهم ربطوا أنفسهم في سبيل الله بالجهاد في سبيل إعلاء الحق، أو بالقيام بعمل عام، وقالوا إن هذه الآية نزلت في أهل الصُّفَّة، وهم طائفة من المهاجرين الفقراء انقطعوا عن أموالهم، وأقاموا: بالمدينة لَا مرتزق لهم فيها، ينتظرون غزوة يسيرون فيها، أو سرية يذهبون معها، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر الصحابة ذوي اليسار باستضافتهم، فتستضيف كل أسرة واحدًا أو أكثر على حسب قدرتها، ومن بقي منهم من غير استضافة بسط النبي - صلى الله عليه وسلم - مائدته لهم في المسجد وأكلوا معه، وقد أقام لهم في المسجد صُفَّة، أي ظلة يأوون إليها يتقون الحر والبرد.

وعلى هذا التخريج يكون الإحصار المذكور في الآية ما يكون سببه الانصراف عن العمل بالاشتغال بعمل عام، فإن هذا يوجب على الجماعة التي يعملون فيها أن تجري على العامل ما يكفيه وأهله بالمعروف؛ فإن لم تفعل الدولة ذلك، وهي التي تمثل الجماعة، تولى الآحاد والجماعات من الناس تهيئة أسباب الرزق لهم بما يكفيهم.

ولكن الأوصاف اللاحقة لهذا الوصف تومئ إلى أن الآية الكريمة يدخل في عمومها كل فقير يتعفف عن السؤال، ولا يستطيع كسب عيشه لأي سبب منِ الأسباب المانعة أو العوقة من العمل للرزق؛ بل إن قوله تعالى: (لا يَسْأَلُونَ النَّاس إِلْحَافًا)، يجعل موضوع الآية الكريمة الفقراء العاجزين عن الكسب غير المتفرغين لخدمة عامة، لأن هؤلاء لَا يتعرضون للسؤال ثم يمتنعون عنه، إنما الذي يتعرض له، ويعف عنه هو العاجز لغير ذلك السبب.

حينئذ يكون قوله تعالى: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أعم من الحال التي ذكرها أولئك المفسرون بأن يكون معناها، أي في سبيل القيام بما يجب عليهم، سواء أكان ذلك الواجب رزقًا يطلبونه، ولكنهم يعجزون عن الحصول عليه، فهم في سبيل هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>