الطرف الثاني في أمره، ومن ناحية الشرع فلا يذكر شرطًا أو التزامًا يخالف الشرع الشريف.
(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ) احتاط الشارع الحكيم للديون المؤجلة، فأمر سبحانه وتعالى بكتابتها، ولم يكتف بذلك، بل أمر بالإشهاد عليها حتى لا تتعرض للضياع، ودعا المتداينين إلى أن يطلبوا شهودًا عدولا يشهدون عند كتابة الدين، توثيقا للدين وتوثيقا للكتابة، ولذا قال تعالى:(وَاسْتَشْهِدُوا) أي اطلبوا وابحثوا وتحروا، فالسين والتاء للطلب. (شَهِيدَينِ) أي شاهدين عدلين؛ لأن " شهيد " صيغة مبالغة من شاهد، والمبالغة في معنى الشهادة تحري معنى العدالة فيها، وأسباب المعاينة، وأن يكون التحمل على وجه التعيين والجزم، فالتعبير بشهيد دون شاهد إشارة إلى ضرورة العدالة وقوة الضبط وقوة الصدق والمروءة فيهما. (مِن رِّجَالِكمْ) خرج به شهادة النساء من غير حضور الرجال، وشهادة غير المسلمين.
وقال بعض المفسرين: إنه خرج به أيضا شهادة العبيد؛ لأن (مِن رِّجَالِكُمْ) أي من أحراركم، وبنوا على ذلك بطلان شهادة العبيد من المسلمين، وهو قول الجمهور؛ وخالف في ذلك الإمام أحمد بن حنبل وقرر أن شهادة العبيد من المسلمين، جائزة تلزم القضاء، وإنما نميل إلى ذلك الرأي من بين آراء الفقهاء، فإذا كان الموالي تقبل روايتهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف لَا تقبل شهادتهم في أمور الناس؟
ولأن (مِن رِّجَالِكُمْ) يدخل في عمومها العبيد؛ لأن الخطاب للمؤمنين، وهم من الرجال المؤمنين، وإخراجهم يقتضي إخراجهم من الخطاب بـ يَا أيُّهَا الذين آمنوا، فكيف يخرجهم مفسر من ذلك الخطاب؟
(فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) في هذا بيان لشهادة النساء مع الرجال، وهو أنه إذا لم يكن رجلان يشهدان، يقوم مقامهما رجل وامرأتان؛ والمعنى: فإن لم يكن الشاهدان رجلين فرجل وامرأتان يشهدان. واشترط فيهما ما هو الشرط في كل شهادة، وهو أن يكونوا (مِمَن تَرْضَوْنَ مِنَ الشّهَدَاءِ) أي