للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) أي لَا يأب الذين اشتهروا بالعدالة ووثق الناس بهم واطمأنوا إليهم عن الشهادة إذا دعوا إليها، سواء أكانت الدعوة للحضور وتحمل الشهادة كالشهادة في التوثيق بالكتابة، أم كانت الدعوة لأداء الشهادة عند الإنكار في مجالس القضاء، وإن هذا يدل على أن الشهادة إذا تعين الشاهد فرض أداؤها، وهذا تطبيق لقوله تعالى: (وَلا تَكْتمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ. . .).

وقال بعض العلماء: إن أداء الشهادة عند الدعوة واجب، ولكن ليست إجابة الدعوة إلى تحمل الشهادة بحضور الكتابة ونحوها فرضًا.

(وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ) أي لَا تملوا من كتاب الدين إلى أجله بأن تحدُّوه وتبينوا أجله، سواء أكان الدين كبيرًا أم كان الدين صغيرًا، فلا يذهب بكم احتقار الصغر إلى إهماله وعدم كتابته؛ لأن الصغر والكبر لَا حدود لهما، فقد يكون صغيرًا في نظر غني مليء، ويكون كبيرا خطيرا عند غيره؛ ولأن إهمال الصغير يؤدي إلى جحوده، وعندئذ تذهب الثقة، وإذا ذهبت ساد التناحر والتنازع؛ ولأن التهاون في الصغير قد يؤدي إلى التهاون في الكبير؛ وإن التشديد في كتابة الصغير والكبير يدل على أن الأمر بالكتابة للوجوب كما بينا.

(ذَلِكمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا) الإشارة هنا إلى كل ما ذكر من الأمر بالكتابة، والنهي عن الامتناع عنها، والأمر بالاستشهاد، والنهي عن الامتناع عن الشهادة، والأمر بكتابة الصغير والكبير؛ وإن هذه الجملة السامية فيها تعليل للتشديد في الأوامر السابقة، وقد تعللت هذه الأوامر والوصايا بثلاثة أمور: أولها: أنها أقسط عند الله، أي أنها أعدل في ذاتها، لأنها أعدل عند الله تعالى، وكل ما يكون أعدل في علم الله تعالى فهو الأعدل في ذاته، وكانت الأعدل في ذاتها؛ لأنها حماية لنفس المدين من الجحود، وحماية لحق الدائن من الضياع، فهي حماية للفريقين.

والأمر الثاني: أنها (أَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ) أي أن الكتابة والشهادة على الكتابة أشد تقويمًا للشهادة والإتيان بها مقومة عادلة ثابتة لَا زيف فيها ولا اضطراب؛ والمراد

<<  <  ج: ص:  >  >>