للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتبايع ولا يشهد، حتى لقد جحد البائع العقد مرة فشهد له خزيمة (١). .

وعندي أن الإشهاد في بيع الأشياء التي تبقى يجب، حتى يعلم الناس انتقال اليد فيه، وانتقال الحوزة، وليمنع الجحود.

(وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) كلمة " يُضَارَّ " تحتمل أن تكون للفاعل، ويحتمل أن تكون بالبناء للمجهول، والمعنى على الأول نهي الكاتب والشاهد عن أن ينزلا ضررا بأحد المتعاملين، بأن يبخس الكاتب أحدهما، أو يشهد الشاهد بغير الحق " والمعنى على الثاني - وهو الظاهر - لَا يصح أن ينزل ضرر بالكاتب أو الشاهد لحملهما على كتابة غير الحق أو قول غير الحق، فإنهما أمينان، وإضرار الأمناء يحملهم على الخيانة وفي ذلك ضياع للأمانة، وذهاب للثقة؛ ولذا قال تعالى بعد ذلك: (وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي إن تفعلوا الضرر بالشاهد والكاتب، وتنزلوا الأذى بهما فإن ذلك يكون فسوقًا بكم، أي معصية وخروجًا عن جادة العدل يحل بكم، وينزل في جماعتكم فتضيع الحقوق، وتذهب الأمانات، وتمحى الثقة في التعامل، ولا يمكن إقامة حق وخفض باطل، فخير الجماعة في حماية الذين يوثقون الحقوق من كاتبين وشاهدين.

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهً بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ختم الله سبحانه وتعالى هذه الآية بما يربي المهابة للأوامر العلية والوصايا الإلهية؛ وقد اشتمل ذلك الختام الكريم على ثلاثة أمور:

أولها: تقوى الله، فإنها نور القلب، وهي الشعور بمراقبة الله، وفي ذلك إشارة إلى وجوب مراقبة الله عند التعامل، ونية الأداء، ثانيها: الإشعار بأن هذا تعليم من الله اللطيف الخبير، ليحسن التعامل، ويقوم على أسس من الثقة والاطمئنان ومنع الريب.


(١) رواه النسائي: البيوع - التسهيل في الإشهاد على البيع (٤٥٦٨)، وأبو داود في الأقضية - إذا علم الحاكم صدق شهادة الواحد (٣١٣٠)، وأحمد: مسند الأنصار (٢٠٨٧٨)، عن عمارة بن ثابت رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>