بهاتين الآيتين الكريمتين ختصت هذه السورة، وهي أطول سورة في القرآن، وفيها لب الإسلام، ومغزاه ومرماه؛ فيها بيان أخلاق الناس، واختلاف تلقيهم للحق الذي يدعون إليه؛ فمن مؤمن يُذعن للحق بقلبه وجوارحه، ومن منافق يظهر الإذعان ويبطن الكفر، ومن معاند مشرك بالله يعرض عن الحق، وقد لاحت بيناته، وأضاءت الوجود آياته. ثم بينت أصل الخليقة، وبها تبيين الطبائع الإنسانية والطبائع الإبليسية، والإخلاص الملائكي ثم ضرب سبحانه الأمثال وقص سبحانه قصص النبيين: موسى وإبراهيم وإسماعيل، وبني إسرائيل، وفيهم يتمثل الإيمان أحيانًا، والطبائع الإنسانية يتسلط عليها الشيطان في أكثر الأحيان، ويتمثل الطبع الإنساني في قوته وضعفه. ثم ذكر سبحانه أحكاما للجماعة في القتال، وفي السلام، في الأسرة وفي المجتمع، وفي التعاون بين الآحاد بالإنفاق في سبيل الخير وإعلاء كلمة الحق والفضيلة، ثم في الأسباب المفرقة بين الجماعات كالربا، ثم في المعاملات الفاضلة التي تحفظ فيها الثقة المتبادلة بين آحاد الجماعات الإسلامية.
بيَّن سبحانه وتعالى ذلك، ثم ختم السورة ببيان أمرين:
أحدهما: أن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي امتداد للرسالات السابقة كلها، وأن لب الدين واحد في كل الرسالات الإلهية.
وثانيهما: بيان أن كل التكليفات الدينية يسر لَا عسر فيها، وأنها تهذيب روحي وتعاون اجتماعي. وقد بينت الآية الأولى من الآيتين الكريمتين الأمر الأول وبينت الثانية الأمر الثاني ولنبتدئ بالكلام فيما اشتملت عليه الآية الأولى: