للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد يقال لماذا ذكر الإيمان بهؤلاء بجوار الإيمان بالله تعالى؟ والجواب عن ذلك أن بعض المنحرفين من أهل الأديان السابقين كانوا يذكرون بغير الخير وبالعداوة بعض الملائكة كجبريل الأمين، فبين سبحانه أن الملائكة جميعا من غير استثناء يجب الإيمان بهم، والإذعان لكل ما ينزلون به من رسالات ربهم، وكذلك الكتب السابقة، والنبيون السابقون، فمن بني إسرائيل من قتلوا بعض النبيين، وكفروا ببعضهم وحرضوا على قتله، فبين سبحانه وجوب الإيمان بكل الرسل من غير استثناء، لأنهم المبلغون للناس رسالات الله، وفوق ذلك فإن هذا الذكر المفصل يفيد اشتراك المؤمنين جميعا في عناصر الإيمان، وأن الإسلام امتداد لسائر الأديان المنزلة؛ وهو الخطوة الأخيرة في شرائع السماء إلى الأرض، وأن من يؤمن بالإسلام يؤمن بكل الأديان والشرائع التي أنزلت على الرسل غير محرفة ولا مبدلة؛ فهو دين الوحدة الإنسانية، كما هو دين التوحيد الإلهي. والإيمان بالله تعالى هو الإيمان بوحدانيته تعالى في الذات، فليس لله سبحانه وتعالى مشابه له من الحوادث (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وبوحدانية الله في الخلق والتكوين، فهو سبحانه الخالق لكل شيء، وليس لأحد مهما يكن شركة لله سبحانه في الخلق والتكوين؛ ووحدانية العبودية؛ فلا يعبد مع الله أحدًا؛ لأنه المنعم بهذا الوجود، وليس أحد يستحق معه العبادة؛ إذ لَا يماثله أحد؛ تعالى الله عما يقوله المشركون علوا كبيرا.

وهنا ملاحظة لفظية يجب أن نشير إليها، وهي لفظ " كل " وعدم إضافته، إذ قال سبحانه: (كلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ) و " كل " سواء أضيفت باللفظ أم لم تضف، على نية الإضافة؛ فالمعنى: كل فريق من هذين الفريقين، وهما الرسول والمؤمنون وذكر كل على هذا فيه إشارة إلى مرتبة النبيين، وأنها أعلى من مرتبة المؤمنين ولو كانوا صادقين، وإن جمعهما المولى القدير في نسبة واحدة، تعالت كلمات الله سبحانه.

(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) هذا التفات في القول، وهو منهاج بلاغي، فبعد أن كان الكلام بصيغة الحكاية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، صار بصيغة المتحدثين عن أنفسهم هم، وهي أن حالهم في هذا الإيمان أنهم لايفرقون بين رسول ورسول،

<<  <  ج: ص:  >  >>