أقصى الطاقة. تلك هي خواص تكليف الله تعالى لكل نفس كما تدل عليه الجملة السامية.
(لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) هذه الجملة السامية تبين أن كل تكليف قد اقترن بجزائه، وأن كل امرئٍ سيجزى على الخير خيرا، وعلى الشر شرا. وما تضمنه ذلك النص الكريم هو نتيجة لما تضمنه النص السابق؛ لأن النص السابق أفاد أن ثمة تكليفا، ولا ينتج التكليف نتائجه إلا إذا كان ثمة جزاء؛ والنص السابق أيضًا أفاد أن الله لَا يكلف إلا بما يكون في القدرة من غير إرهاق، بل بإرادة حرة ويسر لَا عسر فيه. وذلك أساس للقيام بالتكليف بإرادة حرة، ومقدرة غير مرهقة؛ وذلك يوجب الجزاء العادل.
وقد اتفق العلماء على أن قوله تعالى:(لَهَا مَا كَسَبَتْ) المراد بها الحسنات التي يثيب الله عليها؛ وقوله تعالى:(وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) المراد به السيئات التي التي يعاقب الله تعالى عليها. وقد أخذوا هذا من النص باللام في الجملة الأولى، والنص بعلى في الجملة الثانية؛ فإن التعبير باللام التي تفيد الملكية المفيدة في مقابل على التي تفيد التحميل، ووضع الشيء على الشخص، يجعل الأولى مفيدة للجزاء ثوابا، والثانية مفيدة للجزاء عقابًا؛ وإذا لم يكن ذلك التقابل، فإنه يعبر باللام في موضع الثواب والعقاب؛ فيقول سبحانه:(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. . .)، و (لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ... )، إذ لَا قرينة تدل على الملكية المفيدة؛ فتكون اللام لمطلق الاختصاص.
وهنا سؤال لفظي: لماذا عبر سبحانه عن هذا الخير بقوله: (لَهَا مَا كَسَبَتْ) وعن الشر بـ (اكْتَسَبَتْ) مع أن الكسب يكون للخير وللشر كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا. . .)؟ وقد أجاب عن ذلك الزمخشري بقوله: " فى الاكتساب اعتمال؛ فلما كان الشر مما تشتهيه النفس، وهي منجذبة إليه وأمَّارة به، كانت في تحصيله أعمل وأجد؛ فجعلت لذلك مكتسبة