الريب، ومع الريب يكون النفاق، والمنا فق لَا يؤمن بشيء ولقد قال الإمام جعفر الصادق:" إياكم والخصومة في الدين، فإنها تحدث الريب وتورث النفاق " فتبادل البغي فيما بينهم كما قال سبحانه وتعالى: (بَغْيًا بَيْنَهُمْ) كان سببا في عدم إيمانهم بالحق، بل في عدم إيمانهم بشيء وإن كانوا يعلمونه ويفهمونه، فليس مصدر الإيمان العلم فقط، بل مصدر الإيمان علم وإخلاص في طلب الحق، وإذعان له إذا بدا نوره.
ولماذا قدم سبحانه وتعالى كلمة " (إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ) إذ إن السياق هكذا: وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم، فقدم حينئذ المستثنى على بعض المستثنى منه؟ والجواب عن ذلك: أن هذا البيان موضع التوبيخ والاستنكار، إذْ إن ذلك الاختلاف ما كان عن تعذر العلم بالحقائق، ولكنه كان مع أن العلم بها قد جاءهم، وكان في قدرتهم أن يصلوا إلى الحق في الأمر من غير اختلاف ولا نزاع ولا إثارة للشك، وكيف يختلفون مع أن العلم قد جاءهم، وكان بين أيديهم أن يعرفوا السائغ منه، والحق أن العلم كالنور لا ينتفع فيه إلا الذين أوتوا بصرا يميزون به وينظرون، وكذلك لابد لإدراك العلم من بصيرة نافذة، وقلب يخضع للحق؛ أما إذا كانت البصيرة غير نافذة، والقلب قد ران الله عليه، فإنه لَا يدرك، وإن كسب السيئات يضع غلافا على القلب يمنعه من إدراك الحق؛ ولذا قال سبحانه وتعالى في شأن الضالين:(كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٣)، فأسباب العلم لَا تكفي للوصول إلى الحقائق، بل لابد معها من قلب منير، والذين أوتوا الكتاب لم يكن أكثرهم على ذلك من الإخلاص في طلب الحقيقة والإذعان لحكمها، ذلك لأن الشهوات تحكمت في قلوبهم واستولت على نفوسهم، فجعلتهم يبتغون الباطل، ويطلبونه طلبا شديدا، ولهذا جعل الاختلاف مع وجود العلم أساسه البغي فيما بينهم، إذ إنهم يبتغون بالأمر السيطرة والسلطان واحتيازا للسيطرة الدينية، ولذا قال:(بَغْيًا بَيْنَهُمْ) أي ظلما وتحاسدا، وتغالبا بالباطل بينهم.