للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن خطَّأَ ذلك النظر الزجاج، وقرر أن معنى القصد ثابت بمجرد الالتجاء والدعاء. وفوله: (مَالِكَ الْمُلْكِ) نداء آخر وضراعة على تقدير أداة النداء، أي يا مالك الملك، فكأن في النص دعاءين: دعاء للذات العلية بلفظ الجلالة، وقد اشتمل على كل معاني العبودية، والتنزيه والتقديس، والخضوع التام، والتسليم لله سبحانه وتعالى بكل معاني الألوهية؛ والدعاء الثاني لمالك الملك، وفيه كل معاني الإحساس بالربوبية، والضعف أمام جبروت الله سبحانه وتعالى وملكوته.

وقلنا إن قوله تعالى: (مَالِكَ الْمُلْكِ) أبلغ من صاحب الملك أو صاحب السلطان؛ لأن من يملك شأن أمة لَا يملك مُلكها، ولكنه يستولي على ملكها ويده فيها ليست يدَ مِلك ولكنها يدٌ عارية؛ أما سلطان الله تعالى ذي الملكوت فسلطان مالك متصرف في السلطان، يعطيه من يشاء عطاء عارية، ويمنعه ممن يشاء، ويسترد عاريته ممن يشاء؛ ولذلك قال سبحانه وتعالى: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ).

وهنا أمران لابد من الإشارة إليهما:

أولهما: التعبير عن إزالة الملك بقوله تعالى: (وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ) فالتعبير بالنزع مع تكرار كلمة ملك، فيه إشارة إلى أنه يأخذه منه بعد أن استقر فيه وثبت له وظن أنه لَا مزيل لسلطانه، فيأتيه الله من حيث لَا يحتسب، ويأخذ ملكه أخذ عزيزٍ مقتدر ثم إن في النزع إشارة إلى أن من يؤتى سلطانا يطغى فيه ويبغي ولا يسير بسنة الحق والعدل لَا يتركه طائعًا، بل لابد أن يُمكِّن الله منه من ينزعه من يده، وقد يأخذه منه من كان يأتمنه " ومِنْ مَأمَنِه يُؤتي الحَذِر ". وفي كثير من الأحيان يكون السبب في زواله هو من كان السبب في طغيانه.

الأمر الثاني الذي تجب الإشارة إليه: أن الله سبحانه وتعالى بمقتضى حكمته وما سَنَّ من نظم في هذا الوجود، وما تسير عليه أعماله في خلفه، لَا يعطي الملك إلا من يستحقه، ويأخذ بالأسباب العادلة في طلبه، ويقصد به رفعة قومه، ولا ينزعه إلا ممن يسيء ويطغى، ويفهم أن الملك متعة تشتهَى وليس تَبِعات

<<  <  ج: ص:  >  >>