إن أمنوا الكفار ومالئوهم على هذا واختاروا ولايتهم دون المؤمنين، فإنهم لا يأمنون عقاب الله، فعليهم أن يحذروه.
ومعنى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) قال بعض العلماء فيه: إن الكلام على حذف مضاف وهو: عقاب الله أو نقمته، وعندي أنه لَا حاجة إلى تقدير مضاف، بل إن التحذير من ذات الله، والتحذير من ذات الله يقتضي الخوف ووقوع الرهبة في النفس من الذات العلية، كما يقول القائل ولله المثل الأعلى: احذر الأسد، فإنه لَا يقدر: صولته ولا شدته، إنما يريد أن ذاته في كل أحوالها مخوفة مرهوبة.
وعبر سبحانه عن التحذير من ذاته العلية بقوله:(وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) للإشارة إلى تأكيد معنى المعاندة لله تعالى عند موالاة الكافرين، فإن كلمة نفس تقال لتأكيد التعبير عن الذات، كما يقول القائل: خاصمت زيدًا نفسه، وغاضبت عمروًا نفسه؛ وللإشارة إلى أن ما ينزله الله تعالى مغيب غير معلن الآن، إذ إن التعبير بالنفس يكون لما يخفى في أطوائها، كما قال الله تعالى عن نبيه عيسى:(تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
وهذا التحذير من ذات الله تعالى تحذير ممن يكون عقابه أدوم بقاء، ونقمته أكثر استمراراً؛ ولذا قال بعد ذلك:(وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) أي إليه وحده المآل وانتهاء أمر العباد، فلا يكون ثمة معقب لما يقول ويفعل، والمصير إليه حيث تذهب سطوة الكفار الذين يمالئونهم على المؤمنين ويوالونهم دون المؤمنين؛ فإن كانت للكافرين قوة ظاهرة في الدنيا فهي حال ليست باقية، والمصير إلى الله والعاقبة للمتقين، وإن كان للكافرين عزة في الأرض فاجرة، فالعزة الحقيقية لله ولرسوله وللمؤمنين.