للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبحانه وتعالى كل ما كان له من تقصير سابق وإثم قد جلته المحبة عن القلب؛ وذلك لأن السيئات أدران تعلق بالقلب، فإذا وصل إلى درجة محبة الله تعالى، بعد قيامه بحق الطاعات، انصهر قلبه بهذه المحبة، وإذا انصهر القلب بالمحبة زال عنه كل خبث ومحي كل درن، فصفا، والله سبحانه وتعالى يغفر لمن يصل إلى هذه المرتبة. ولقد ذيل الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ):

وصفان كريمان للذات العلية: أولهما أنه غفور؛ أي أنه كثير الغفران لعباده؛ لأن فعول تدل على المبالغة، ووصف الله تعالى نفسه بهذا الوصف للإشارة إلى أنه يحب من عباده الطاعة، ويحب من عباده التوبة، فهو ليس كحكام الدنيا الذين يفرضون العقاب ولا يتمنون لرعاياهم الخلاص منه، بل يتمنون إنزال العقوبة بهم، والله سبحانه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم يقبل التوبة عن عباده، ويحب المغفرة، ولذلك وصف بالتواب، فالعقاب ليس لذاته، ولكن لكيلا يتساوى المسيء بالمحسن، وليحمل المسيء على الطاعة ويستمر المحسن على إحسانه.

والوصف الثاني الذي وصف به ذاته العلية: أنه رحيم. وكان من رحمته أن قبل التوبة وغفر الذنب، ومن رحمته أنه أرسل الرسل بالبينات ليقيموا القسط بين الناس، وَيُعَلِّمُوا هذه الشرائع التي بها صلاح الدنيا، وبها تقوم على الخير والفضيلة، ولذا قال سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وكان من رحمته أن سنَّ العقاب للمسيء المستمر على إساءته الموغل في الفساد، فإن من يفسد في الأرض يكون من الرحمة عقابه، ومن لا يرحم الناس كان من مقتضى الرحمة بالناس أن لَا يرحم؛ ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من لَا يَرحم لَا يُرحم " (١).


(١) رواه البخاري: الأدب - رحمة الولد وتقبيله (٥٥٣٨)، ومسلم: الفضائل - رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال (٤٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>