للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والقصة الثانية: قصة زكريا، وكون الله سبحانه وتعالى قد وهب له يحيى، مع أنه كان قد بلغ من الكبر عتيا، وامرأته عاقر، وبذلك خرقت العادة المعروفة، وهو أن العاقر لَا تلد قط، وهذا قد أنجب وقد أصابته الشيخوخة، وامرأته عاقر لا تلد.

والقصة الثالثة: قصة ولادة السيد المسيح عليه السلام، وقد كان ذلك أعظم خرق للعادات، إذ ولد من غير أب، وفي ذلك تتسلسل القصص الثلاث في خوارق تبتدئ بالخارق القريب من المعروف ثم بغير المعروف مطلقا، ثم بالخارق الغريب الذي لم يعرف قط لغير عيسى بعد أن انتشر بنو آدم في الأرض. القصة الرابعة: قصة حياة عيسى، التي اشتملت على خوارق كثيرة كانت في ذاتها أغرب من ولادته؛ منها: إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله على يديه، وهكذا غيرها.

وقصص القرآن ليس المقصود منه مجرد السرد التاريخي، كما يسجل التاريخ وتدون قصصه، إنما قصص القرآن المقصود به أولا: العظة والاعتبار، كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ. . .)، ثم ثانيا:

إثبات صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك لأن هذا القصص الحق يتفق مع الصادق من كتب أهل الكتاب يجري على لسان أمي لَا يقرأ ولا يكتب، ولم يجلس إلى معلم، ولم تعرف ملازمته لأحد من أهل الكتاب حتى يطلعه على ذلك، بل كان المنقطع في بلد أمي ليس به علم يدرس، ولا فلسفة تبحث. ثم المقصود ثالثا: بيان وحدة الشرائع الإلهية السماوية؛ لأنها جميعها تنبعث عن مصدر واحد، وهو رب السماوات والأرض وما فيهما؛ فبيان قصص النبيين السابقين وما كانوا يلقون في الدعوة إلى التوحيد دليل على أن التوحيد هو الوحدة الجامعة - بين كل الشرائع، وهو الحد الفاصل بين ما هو من السماء، وما هو من إفك أهل الأرض. وفي بيان قصص النبيين تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتسرية عن شدائده بالاستبصار فيما لقيه غيره من عنت.

<<  <  ج: ص:  >  >>