للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خالقي الذي خلقني، وخلق كل شيء من طين، وصدر عنه كل ما في الوجود بإرادته العالية: (هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ) أي أعطني أنت عطاء كريما لَا سبب له إلا إرادتك، ولا باعث عليه إلا رحمتك، فلا يكون الأمر فيه جاريا على مقتضى الأسباب ومسبباتها، إنما يكون على مقتضى الهبة المجردة، والعطاء الخالص الذي لا سبب له إلا إرادتك الأزلية وإلا رحمتك: (مِن لَّدُنكَ) أي من عندك، أي السبب يكون من عندك لَا من عندي، لأن الأسباب عندي قد زالت، ولم يعد إلا سبب منك، وإلا معجزة تكون فيها المانح المعطي من غير أي علة أو ترتيب.

والتعبير بـ (لَّدُنكَ) التي لَا تكاد تستعمل في القرآن إلا في جانب الله تعالى يفيد العندية العالية السامية، لَا العندية القريبة المقارنة، ولا العندية المقاربة.

ودعاء نبي الله أن يهب له ذرية طيبة، فلم يذكر الله سبحانه عنه في هذه الآية سوى أنه يطلب ذرية طيبة، والذرية قد بينا معناها من قبل. والطيبة: هي الذرية الحسنة المرغوب فيها التي تكون ذات أثر طيب، لأن الطيب هو الأمر الحسن المحبوب المرغوب فيه الذي لَا ينتج إلا خيرا، ويأتي بخير الثمرات وأحسن النتائج، ومن ذلك قوله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا. . .).

وبعد أن ضرع هذه الضراعة بدأ رجاؤه في الإجابة بقوله: (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) أي إنك تعلم بدعائي علم من يسمع، وإن الأمر إليك إذ علمته وسمعته؛ فإن أجبت فبرحمتك، وإن لم تجب فبحكمتك، فأنت العليم الحكيم، والرحمن الرحيم. والصيغة تفيد قرب الرجاء وإمكان الإجابة. وفى هذه السورة لم يبين سبحانه شكل الدعاء أكان جهرا أم كان خفيا، وفى سورة مريم بين حاله، وبين نوع ما يطلب من الذرية.، فقال سبحانه: (كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>