أنه كان مصدقا بكلمة من الله، وتصديقه بكلمة من الله اختلف المفسرون في تحرير معناها، لاختلافهم في معنى:" كلمة "، فمنهم من اتجه إلى أن كلمة الله هو المسيح عيسى ابن مريم، ما قال تعالى من بعد ذلك لمريم:(ويَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيمَ. . .)، ويكون المدح في يحيى حينئذ بأنه صدق عيسى وأذعن للحق إذ تبين له، فلم يكن من المعاندين الذين يجحدون بآيات الله تعالى، ويكفرون ببيناته، وسمي عيسى " كلمة من الله " من الله، لأنه نشأ بكلمة منه سبحانه، ومن المفسرين من قال إن المراد من كلمة الله تعالى كتابُه؛ وذلك لأنه تطلق الكلمة ويراد منها الكلام، وذلك من هذا القبيل، والظاهر عندي هو الأول؛ لأنه في هذا المقام ذكرت كلمة الله على أنها المسيح عليه السلام، والاسم المكرر في مقام واحد تكون فيه وحدة المقام دليلا على وحدة المسمى. وكان في هذا التعبير إيذان بأن ولادة المسيح ستكون قريبا من ولادة يحيى وفيه إيماء إلى أن زكريا نبي الله قد أوتي علما بأن المسيح عهده قريب.
والوصف الثاني من أوصاف يحيى: أنه سيد، والسيد فيْعل من السيادة، وهي الشرف والتفوق والعلو، وتبتدئ السيادة بسيادة الإنسان على نفسه بأن يملك زمامها، ويضبطها ويأخذ بعنانها، فلا تذل، ولا تتكبر ولا تجمح، ولا يزال يترقى في معنى السيادة من ضبط النفس والعلو عن سفساف الأمور، والاستغناء عما في أيدي الناس حتى يفوق الناس. وإنه يروى أن أعرابيا مرَّ بالبصرة، فسأل من سيد هذا المصر؟ فقيل له: الحسن البصري فقال: وبم ساده؟ قيل استغني عما في أيدي الناس، واحتاج الناس إلى ما في يده، فقال: ذلك هو السيد حقا.
فكلمة السيد في النص القرآني الكريم تتضمن كل معاني السؤدد ومكارم الأخلاق.
والوصف الثالث: أنه حصور. وأصل الحصر معناه الحبس، والمراد أنه حبس نفسه عن الشهوات، حتى لقد روى أنه امتنع عن النساء زهادة واستعفافا، واتجاها إلى الروحانية. وقيل إنه كان لَا يأتي النساء عجزا، وذلك غير صحيح، والحق أنه