للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه المعجزات الأربع وغيرها، هي آية الله تعالى لإثبات رسالة السيد المسيح عليه الصلاة والسلام، ولذا قال تعالى بعد ذكرها:

(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن في هذه الأمور التي أجراها الله على يد السيد المسيح عليه السلام لآية، أي لعلامة واضحة بيّنة تدل على صدق رسالته، وتثبت دعوته، ويقتنع بها من يريد الاقتناع. وقوله: (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) إيماء إلى أن الذين يقتنعون بالحجج والآيات هم الذين من شأنهم أن يذعنوا للحق، ويخضحوا له؛ فالناس قسمان: قسم يذعن للحق ويؤمن به إن قام الدليل عليه، وأولئك هم الذين من شأنهم الإيمان والإذعان للحق، وقسم لا يزيده الدليل إلا عنادا واستكبارا، وأولئك هم الذين من شأنهم أن يجحدوا ولا يذعنوا للحق إذا دعوا إليه؛ ولذلك عبر بالوصف في قوله: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن كان الإيمان والإذعان لنحق شأنا من شئونكم، ووصفا ذاتيا لكم.

وإن هذه المعجزات الباهرة القاهرة التي خضع لها من خضع، وكفر بعدها من كفر، دليل على أن الدليل مهما يكن قويا لَا يكفي للإيمان، بل لابد من اتجاه نفسي لطلب الحق من أن يتأشب بالنفس أي داع من دواعي الهوى، أو أي غرض من أغراض الدنيا؛ وأي دليل حسي أقوى في الدلالة على الرسالة الإلهية من إحياء الموتى، وأن يصور من الطين كهيئة الطير فيكون طيرا بإذن الله، ومع ذلك آمن من آمن، وكفر من كفر، وكان الذين عاندوا أكثر عددا من الذين أذعنوا وآمنوا، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

بعد أن أشار سبحانه إلى الآيات الكبرى التي أجراها على يدي السيد المسيح عليه السلام، أشار إلى رسالته، وهي تتلخص في أمرين: أنها مصدقة لما جاء في التوراة مع إحلال ليعض الذي حرم على اليهود فيها، وثانيها: أنه يدعو إلى الإيمان بأن أنه خالق كل شيء ومبدعه ومنشئه بإرادته المختارة، وهذا ما تضمنه قوله تعالى: (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ):

<<  <  ج: ص:  >  >>