للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى الله، فقال: (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ) وقد قال في ذلك الزمخشري: " إلى الله من صلة أنْصاري مضمنا معنى الإضافة، كأنه قيل: من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله ينصرونني كما ينصرني، أو يتعلق بمحذوف حالا من الياء، أي من أنصاري ذاهبا إلى الله أو ملتجئا " والأوضح في نظري أن يكون المحذوف حالا من الأنصار أنفسهم أي من أنصاري حالة كونهم متجهين ملتجئين إلى الله تعالى، وفي هذا طمأنة لهم بأن نصرته هي نصرة الله،. أن الذين ينصرونه يلتجئون إلى جانب الله تعالى، يعتمدون عليه، فهم إذا كانوا للحق منعة، في عزة من الله ومنعة منه، وإن دعوة الحق لابد أن تجد نصيرا وإن طغى الباطل واشتد؛ ولذلك أجيب عيسى عليه السلام من المخلصين من قومه:

(قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ) الحواريون هنا هم أنصار عيسى عليه السلام الذين أخلصوا له ولازموه، وكانوا عونه في الدعاية إلى الحق بعد الله تعالى الذي أمده بنور من عنده. وأصل مادة (حَورَ): هي شدة البياض، أو الخالص من البياض، ولذلك قالوا في خالص لباب الدقيق: الحوَّارَى، وعلى النساء البيض: الحواريات، والحوريات؛ وعلى ذلك يكون تسمية صفوة الرجل وخاصته حواري؛ لأنهم أخلصوا له، ولأنهم لُباب الناس بالنسبة له، وكذلك كان حواريو عيسى عليه السلام؛ فقد كانوا خاصته، والذين صفت نفوسهم، وخلصت من أدران الدنيا وأهوائها كما يخلص الثوب الأبيض الناصع البياض من كل ما يشوبه.

أجاب أولئك الحواريون عيسى عليه السلام عندما أخذ يبحث عن النصراء (نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ) وهم بذلك بينوا اهتداءهم لأمرين:

أولهما: أنهم علموا أنه يتكلم عن الله تعالى وأنه رسول أمين؛ ولذلك اعتبروا إجابة دعوته هي من إجابة دعوة الله، وأنهم إذا كانوا نصراءه فهم نصراء الله تعالى؛ ولذا قالوا: نحن أنصار الله، ولم يقولوا نحن أنصارك.

الأمر الثاني: أنهم فهموا أن نصرته تكون بإخلاص النية لله تعالى، وتصفية نفوسهم من كل أدران الهوى، حتى تكون خالصة لله تعالى، ولذلك أردفوا قولهم هذا بما حكاه سبحانه وتعالى عنهم بقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>