أحد من الناس ادعى ألوهية آدم لهذا السبب فيبطل حينئذ ذلك الزعم الباطل لانهيار الأساس الذي قام عليه.
ثانيهما: أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قادرا على خلق إنسان حيّ من غير أب ولا أم، ومن مادة ليس من شأنها أن يتكون منها إنسان حي، فأولى أن يكون قادرا على خلق إنسان من غير أب، ومن أم هي إنسان يلد ويحيا ويموت، وهي وعاء لحياة الإنسان وهو جنين؛ وإذا فلا غرابة في خلق عيسى من غير أب، وما كان يصح أن يكون هذا دافعا لهذا الضلال المبين.
والنص الكريم فوق ما تضمنه من حجة دامغة تقطع دعوى المبطلين، هو بيان لقدرة الله تعالى العلي القدير في خلق الأحياء وخلق الأشياء، من حيث إنها تخلق بإرادته المختارة، وأنه بهذه الإرادة يخلق الحي من غير الحيّ، ويخلق الحيّ على غير النظام الجاري في مجرى العادات، وما نسميه طبائع الأشياء في التكوين والتوالد، ولا تصدر عنه الأشياء كما يصدر المعلول عن علته، وإلا ما كان من الطين إنسان حي ناطق هو أبو الخليقة آدم عليه السلام. ولذا بين سبحانه بعد ذلك عظم إرادة الله تعالى في خلق آدم:
(ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) هذا تصوير لخلق الله تعالى آدم من تراب، أراد سبحانه وتعالى أن يكون فصوَّره من طين، ثم قال له لما صوره آمرا له أمرا تكوينيا " كُن " فكان. وهذه الجملة السامية تصور خلق الله سبحانه وتعالى للأشياء الأحياء وغير الأحياء، فليست إلا أن تتجه الإرادة إلى تكوينها، فيكون الأمر التكويني، وتكون الاستجابة التكوينية، ويكون الأمر كما أراد سبحانه. وقال سبحانه وتعالى بالنسبة لخلق آدم عليه السلام:(كُن فَيكُونُ) ولم يقل كن فكان، وهو المناسب للماضي، وذلك لأن التعبير بالمضارع دائما فيه تصوير وإحضار للصورة الواقعة كما وقعت، ومن جهة أخرى فصيغة المضارع في هذا المقام تنبئ عما كان، وتومئ إلى ما يكون بالنسبة لخلق إلله تعالى المستمر في المستقبل كما كان في الماضي وقد بين سبحانه أن هذا هو الحق الثابت المستمر، فقال: