للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن مع هذا الظاهر روى ابن إسحاق عن ابن عباس أنه قال اجتمعمت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل الله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ) الآية (١).

وسواء أكانت المحاجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أم كانت فيما بينهم فإنها غير معقولة في ذاتها؛ ولذا وبخهم سبحانه وتعالى عليها بقوئه تعالت كلماته:

(أَفَلا تَعْقِلُونَ) هذا النص الكريم هو نتيجة لهذا الحكم الذي يتحاجون فيه، وهو كون إبراهيم يهوديا أو نصرانيا؛ إذ أن ذلك هو حكم من لَا يعقل! ولذلك كانت الفاء التي تفيد السببية، وهو كون ما قبلها سببا لما بعدها، فتلك الحال التي هم عليها من الغرابة هي السبب في ذلك السؤال عن أصل عقلهم، وإدراكهم لمعناها.

والاستفهام إنكاري؛ فهو نفي لكونهم يعقلون في هذه الأمور التي يتجادلون حولها، وذلك يؤدي إلى السؤال عن أصل وجود العقل عندهم، وإن هذا النفي هو في ذاته توبيخ، وتنبيه إلى ما أدى إليه التعصب الأعمى الذي جعلهم لا يدركون الأمور على وجهها، وينسيهم البدهيات التي لَا تختلف فيها المدارك والعقول، حتى يكون أصل العقل عندهم موضع إنكار.

ولقد زكَّى سبحانه وتعالى ذلك التوبيخ، وهذا النفي ببيان مظهر آخر من مظاهر مخالفتهم لما يقتضيه العقل في أمر آخر، يتصل بهذه المسألة، وهو أنهم يجادلون ويتقدمون بالحجج في أمر ليس عندهم أصل العلم به؛ ولذا قال تعالى

* * *


(١) أخرجه البيهقي في الدلائل - أسباب النزول للسيوطي: آل عمران (٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>