(وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفَاءَ لِلَّهِ)، وتحنف فلان أي تحري طريق الاستقامة ".
ووصفُه عليه السلام بأنه حنيف يطلب الحق مستقيما في طلبه فيه بيان منافاة أخلاق اليهود والنصارى لأخلاقه وهديه، فهم لَا يطلبون الحق لذات الحق، ولكن يطلبون هوى أنفسهم، فإن يكن الحق لهم يأتوا إليه مذعنين، وإن يكن الحق عليهم أعرضوا عنه وذلك لمرض قلوبهم.
والوصف الثاني من أوصاف إبراهيم خليل الله أنه مسلم، والإسلام هو الإخلاص لذات الله، والمحبة والانصراف إليه سبحانه وتعالى، حتى لَا يعمر القلب بغير نوره، وهذا أيضا وصف منافٍ لما كان عليه اليهود والنَّصارى، فإلههم هواهم، ومحبتهم لأنفسهم لَا لله، وإنما هي أعراض الدنيا أركست نفوسهم، وأغلقت دون نور الله قلوبهم.
والوصف الثالث: وصف سلبي، وهو أنه كان غير مشرك، وقد نفَى الله سبحانه وتعالى عن خليله وصف الشرك بهذه الصيغة الجامعة فقال:(وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركِينَ) ولم يقل " وما كان مشركا " لأنها تتضمن نفي الإشراك كله وشوائبه عن إبراهيم عليه السلام، فإن المشركين أصناف وألوان، فمنهم من يعبد الأوثان، ومنهم من يجعل لله ابنا يعبد، ومنهم من يجعل الله ثالث ثلاثة، ومنهم من يتخذون أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، ومنهم من يتخذون وساطة بين العبد والرب، وهكذا، فما كان إبراهيم من أي صنف من هذه الأصناف. وفي ذكر هذه الصيغة السامية في نفي الشرك عن إبراهيم تعريض بين حالهم وما هم عليه من الشرك الظاهر، فكيف يدعون الانتساب لإبراهيم عليه السلام، وهم على ما هم من الشرك، إنما الذين يعدون أولى الناس هم من قال الله فيهم: