للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهل معنى الاتفاق الذي اتفقوا عليه هو أن يبدءوا في الضحى فيسلموا ثم يكفروا في المساء؛ ظاهر اللفظ ذلك، ولكن يبدو للمتأمل البصير أنهم يريدون أن يسلموا حينا من الزمان حتى تتم الثقة بهم والاطمئنان إليهم، ثم يكفروا من بعد ذلك، على ألا يستغرق إظهارهم الإسلام إلا أمدا يستطيعون فيه جلب الثقة إليهم؛ ويكون حينئذ التعبير كله من قبيل الاستعارة التمثيلية، سيقت لتصور حالهم التي اتفقوا عليها، وهي أنهم يظهرون الإيمان ثم يكفرون بعد أمد قصير.

فالاستعارة لتصوير سرعة الرجوع وإظهار الكفر، وتأكد التعاقب بين إظهار الكفر وإظهار الإسلام، كما يتعاقب ظهور آخره بعد أوله. وقد حكى الله سبحانه وتعالى عنهم مقصدهم ومكرهم السيئ بقوله تعالت كلماته:

(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فهذا التعبير يفيد بيان مقصدهم وهو رجاء أن يرجع بعض المؤمنين إلى الكفر بعد الإيمان، ولكنهم عبروا عن البعض باسم الكل، فإنه لا يمكن أن يرجعوا جميعا، بل الذي يرجى رجوعه من المسلمين هو الضعيف غير القوي في دينه، غير المطمئن في يقينه، ولكن كفر هذا الفريق بعد إيمان يحدث اضطرابا في جماعة المسلمين، فيكون التظنن فيهم، وحيث جرى الشك في الجماعة كان وراءه التفرق وفقد الثقة، وكان وراءهما الفشل الذريع، وإنهم من بعد ذلك يطمعون أن تعود الجزيرة العربية إلى الشرك بعد هذا الإيمان الذي هددهم في كيانهم؛ وكذلك سولت لهم نفوسهم، فإن الذي يركب رأسَه الشيطانُ توسوس له نفسه بالشر، ويتسع أفق تصوره حتى يتمنى الأماني البعيدة القاصية كأنها قريبة دانية.

وإن تلك الطريقة التي سلكوها من أقوى ما تفتق عنه التدبير الإبليسي؛ فإن إظهار الكفر بعد إظهار الإيمان مع التذرع بتلبيسات مضللة من شأنه أن يدخل الشك في ضعفاء الإيمان، وقد يكون معه الجهر بما يثير الريب حتى في أقوى الحقائق صدقا وأجدرها باليقين؛ ولذلك كانت عقوبة الردة التي ثبتت بقوله - صلى الله عليه وسلم -:

<<  <  ج: ص:  >  >>