للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) ثم يبين سبحانه وتعالى أن هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بأن ينزل بينهم وحي السماء كما نزل بينكم، أو يحاجوكم به عند ربكم، و " أو " هنا تكون بمعنى الواو. وعلى قراءة الاستفهام يكون المعنى: أتنكرون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم.

ذانك الاحتمالان، وإنى أميل إلى الاحتمال الأول، وأن تكون الجملة السامية (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) معترضة، وأن قوله: (أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) من قولهم، وذلك ليستقيم أمر الله بعد ذلك لنبيه بقوله: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ) فإنه لَا يتضح معناه إلا إذا كان عقب قولهم، ليكون معنى جديد للأمر الثاني بعد الأمر الأول، إذ لو كان قوله: (أَن يُؤْتَى أَحَدٌ) من كلام الله تعالى المأمور به ما اتضح لنا معنى الأمر الثاني: (قلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ) إلا إذا كان لتكرار هدايته وفضله، والتأسيس أولى من التأكيد.

لقد بين سبحانه بعد ذلك أن الهداية هي فضل من الله تعالى يتفضل به على من يشاء من عباده؛ ولذلك قال سبحانه: (إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ):

فهداية الله تعالى، والنبوة والرسالة التي تنبعث منها هداية المؤمنين الذين يذعنون للحق، ذلك كله فضل من الله تعالى لعباده، فليس حقا عليه لهم، بل هو منه تكرم وعطاء، والمتفضل المتكرم ليس بملزم بالعطاء لأحد، فإن كان قد جعل الرسالة حينا في بني إسرائيل فبفضل منه وبرحمة، وليس ذلك بملزم له، ولا بمسوغ لهم بأن يمنعوها عن غيرهم، ويستنكروا أن تكون في قوم أميين، وعليهم أن يذعنوا للحق أينما كان، ومن أي جهة كان النداء به، فالله أعلم حيث يجعل رسالته؛ وليس فوق إرادة الله سبحانه وتعالى إرادة، وليس من حق طائفة من الناس أن تقول نحن أبناء الله وأحباؤه.

<<  <  ج: ص:  >  >>