للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يأتيه الوحي على طريق الاستعلاء، ويأتي هم على طريق الانتهاء - فقد تعسف، ألا ترى إلى قوله: (بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ. . .)، و (أنزلنا إليك)، وإلى قوله تعالى: (آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا. . .).

وإنا نميل إلى ما اعتبره الزمخشري تعسفا؛ لأن الخطاب في الأول من الله لنبيه، والوحي ينزل عليه، فكان من مقتضى الحقيقة أن يعبر بعلى، والثاني خطاب للمؤمنين، والوحي لَا ينزل عليهم، ولكن ينتهي في نزوله إليهم، وكون الله تعالى عبر في مقام النزول على النبي بـ " إلى "، وحكى عن اليهود أنهم قالوا في مقام النزول إلى المؤمنين بعلى، فلأسباب واضحة في مقامها لَا يخل بالتعليل في هذا المقام.

(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) هذه ثمرة الإيمان بالله وحده لا شريك له، والإيمان بكل رسله، وبكل ما أنزل على رسله، فالنبي والمؤمنون معه إذ يؤمنون بكل ما جاء به الرسل لَا يفرقون بين أحد منهم، فلا يؤمنون بواحد ويكفرون بآخرين، ولا يؤمنون بجماعة ويفردون بالكفر واحدا، بل هم في الإيمان سواء، وإذا كان بينهم تفاضل في أشخاصهم، فاصل الإيمان برسالتهم واجب لا تفرقة فيه؛ ولكن التفضيل يكون بأمور أخرى وراء أصل التصديق والإيمان؛ ولذا قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ. . .).

ثم بين سبحانه الوصف الكامل لأهل الإيمان، وهو الإذعان لذات الله ولذات الحق، فيطلبون الحق مذعنين له مؤمنين به خاضعين، ولذا قال سبحانه: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي ونحن لله سبحانه وتعالى مذعنون مخلصون، لَا نذعن إلا له، فلا نفكر في الأمور تحت تاثير عرض من أعراض الدنيا، أو عصبية جنسية أو دينية، أو حب رياسة وسلطان، بل نطلب الأمر من الأمور وقد أخلصنا في طلبه، وخلصنا أنفسنا من شوائب الدنيا وأعراضها، فالإخلاص لله والإذعان له فيه الخلاص والاستقامة نحو الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>