إن لله سبحانه وتعالى سننا محكمة في خلقه، وكما أن الكون يجري على قوانين ثابتة لَا تقبل التخلف إلا إذا أراد الله سبحانه وتعالى، كذلك هناك سنن في النفوس لَا تقبل التخلف إلا أن يشاء ربك، ومن سننه تعالى في النفوس أنه لا يهدي إلا من طلب الحق مخلصا في طلبه، لَا يرين على بصيرته هوى يَظلمها، ولا يعوق طريق الهداية عرض أو عصبية، وإذا كان الله يهدي الضال عن جهالة، فإنه لَا يهدي من يضل عن بينة؛ لأنه أركس نفسه في الشر، وسد ينابيع الخير في قلبه، وسد مطالع النور فلا تصل إليه؛ تلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا. وإن أولئك اليهود أضلهم الله على علم، فهم آمنوا بالله تعالى ثم كفروا به، ثم شهدوا بأن الرسول حق وجاءتهم البينات المثبتة المنيرة، ثم بعد ذلك كفروا به، لقد كانوا يعلنون بين المشركين أنه سيجيء رسول يحطم الأصنام، ويستبشرون بِمَقْدِمِه، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.
ولذا قال سبحانه وتعالى في شأنهم وشأن من يماثلهم بعد أن قص الكثير من قصصهم: