للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى لازم للطرد الذي هو الأصل في المعنى اللغوي؛ لأن الطرد يترتبط عليه السخط والمقت والغضب؛ إذ لَا يُطرد من رضي الله عنه، ولا يُطرد محبوب، وعلى ذلك تكون اللعنة هنا بمعنى سخط الله تعالى وغضبه، وسخط الملائكة وغضبهم، ولا مانع من أن يراد الطرد من رحمته إذا اجتمع مع الغضب في مثل قوله تعالى: (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْه وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا). فهذه معان متلازمة مترتب بعضها علَى بعض، فيترتب على الغضب الطرد من الرحمة، ويترتب على الطرد من الرحمة عذاب السعير، فإنها للجنة أبدا، أو للنار أبدا، كما قال - صلى الله عليه وسلم - (١).

وكون اللعنة تكون من الناس أجمعين معناه أن الفطرة الإنسانية السليمة كلها تتنكر وتلعن تلك القلوب المنحرفة التي لَا تخضع لحق، ولا تؤمن للبينات، بل تتجه إلى طمس المعالم التي تنير وتهدي، فالمراد المعنى الإنساني العام لَا الإحصاء والجمع لآحاد بني الإنسان.

* * *


(١) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: ٣٩]، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>