للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للنفس، وما كان يتخذ ذلك شريعة تتبع بل اتخذه علاجا شخصيا لجسمه أو لنفسه، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من الإسراف أن تأكل كل ما تشتهي ". هذا هو التخريج الأول.

أما التخريج الثاني فإن مقتضاه أن بني إسرائيل هم الذين حرّموا بعض الأطعمة على أنفسهم كما كان العرب يحرمون على أنفسهم بعض أنواع الأطعمة، كتحريم البَحيرة (١) ونحوها مما نعاه القرآن الكريم عليهم.

ولعل القبيل كان يحرم على نفسه الإبل مثلا تقليدا ليعقوب فيما لَا يجب التقليد فيه.

ولكنهم ادّعوا أن تحريمهم لبعض الأطعمة التي لم يحرمها الله تعالى عليهم كان في التوراة منسوبا لإبراهيم، ولذلك تحداهم الله سبحانه وتعالى بقوله: (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو تكليف منه تعالت قدرته بأن يطلب إليهم أن يأتوا بالتوراة ليبيِّنوا النص الذي كان به التحريم أهو يدل على أنه كان قبل التوراة، أم كان بعدها؟، وأيدخل في عموم التحريم تحريم لحوم الإبل وألبانها؟ و " الفاء " في قوله: (فَأتُوا بِالتَّوْرَاةِ) هي التي تسمى فاء الإفصاح، وهي تفصح عن شرط مقدر، أي إذا كانت دعواكم تحريم الإبل في شريعة إبراهيم وقبل التوراة فأتوا بها أي احْضِروها، و " الفاء " في قوله: (فَاتْلُوهَا) فاء العطف، أي فأحضروها، واتلوها عقب إحضارها، وتلاوتها أي قراءتها بإمعان، وتبين التحدي في قوله تعالى: (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) والتعبير بـ " إن " للإشارة إلى عدم صدقهم؛ لأنها تدل على الشك في الشرط، وعدم ترتب الجواب عليه، أي هم ليسوا صادقين فيما يدَّعون، ولذلك لَا يتلون ولا صقرءون.

والمؤدَّى: أنكم لو جئتم بها وأمعنتم في تفهمها، لكذَّبتْكُم وَلأثْبَتَت افتراءَكم على الله سبحانه وتعالى، وإن من افترى الكذب على الله تعالى ظالم لنفسه وللناس، ولذا قال تعالى بعد ذلك:

* * *


(١) البحيرة ابنة السائبة، والسائبة هي الناقة التي كانت تُسَيَّب في الجاهلية لنذر أو نحوه. الصحاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>