للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرسول أنها نزغة الشيطان، فحذرهم الله تعالى هذه النزغة مرة أخرى، وأمرهم بالحذر الشديد من اليهود خشية أن يكون فعلهم محاولة لما يريد أولئك الأشرار الذين ابتلى الله بهم البرية، ومطاوعة لمقاصدهم الآثمة، وصدر الخطاب بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تنبيها لخطر ما يدعوهم إليه، ولتحريك عناصر الإيمان في قلوبهم، فيكون منهم الحذر واليقظه، فإن الإيمان فطنة (١)، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين (٢)، ولأن علة الإجابة للطلب هي الإيمان، وفي قوله تعالى: (إِن تطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) عبر في الشرط بـ " إن " للإشارة إلى بعد وقوع الطاعة منهم لهؤلاء مع إيمانهم، لأن " إن " الشرطية تفيد الشك في وقوع الشرط، وبالتالي ترتب الجواب عليه، بخلاف " إذا " فإنها تفيد وقوع الشرط أو تؤذن بوقوعه وترتب الجواب عليه، كقوله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)، وقوله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ)، وقوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، وذكر سبحانه وتعالى الذين يحاولون إركاس المسلمين في الفتنة وتضليلهم، بأنهم فريق من الذين أوتوا الكتاب؛ لأنهم لم يكونوا كلهم، ولأنه يرجى الإيمان من بعضهم. بدل الاستمرار على الغي والفساد؛ ووصفهم سبحانه وتعالى: بأنهم أوتوا الكتاب للإشارة إلى أن تضليلهم مقصود، وأنهم أهل معرفة، ولكنهم استخدموها للضلال والتضليل، فصاروا بهذا كالأنعام بل أضل سبيلا؛ لأن المعرفة إن لم تكن لنصرة الحق كان الجهل خيرا منها؛ لأنه أدنى إلى المعذرة.

وقد رتب سبحانه على الطاعة المفروضة التي حذر سبحانه وتعالى منها نتيجتها إن وقعت، ولا تقع من مؤمن بحمد الله تعالى فقال سبحانه: (يرُدُّوكُم


(١) الفطنة: الفهم والحذق.
(٢) متفق عليه؛ رواه البخاري: الأدب - لَا يلدغ مؤمن من جحر مرتين (٥٦٦٨)، ومسلم: الزهد والرقائق (٥٣١٧) وجاء في فتح الباري.

<<  <  ج: ص:  >  >>