الاعتصام معناه الامتناع والالتجاء والاستمساك، وهو من عصم بمعنى منع، يقال عصمه الطعام أي منع عنه الجوع، وعصمته النبوة أي منعته من أن يقع في إثم قط، ومعنى النص السامي: ومن يعتصم بالله أي يجعل الله تعالى عاصما له ومانعا، يستنصح بكتابه، ويلجأ إلى كلام رسوله إذا ادلهمت الظلمات، فقد هدى إلى صراط مستقيم، أي طريق مستقيم لَا عوج فيه ولا انحراف، ومعنى الاعتصام بالله: الاعتصام بدين الله كما قال أكثر المفسرين، وإني أرى الاعتصام بالله هو الاعتصام بذاته سبحانه، وإن كان الاعتصام بالذات العلية يستلزم حتما الاعتصام بدينه الحق الخالد إلى يوم القيامة، ولكني اخترت الاعتصام بالله، وأن يكون الإسناد إلى ذاته سبحانه من غير تقدير مضاف؛ لأن الاعتصام بالله يقتضي ألا يحب أحدا إلا الله، ويقتضي أن يكون الشخص ربانيا لَا ينظر إلى عصبية جاهلية، ولا لهوى ولا لعرض من أعراض الدنيا، فيلجأ إلى الله، ويحب الشيء لذات الله كما ورد في الحديث الشريف:" لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله تعالى "(١)، ويقتضي أن يتجه إلى الله ويتذكره عندما ينزغ في النفس نازغ، كما قال تعالى:(وَإِمَّا ينزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ. . .)، ويقتضي الاعتصام بالله أن يتوكل على الله حق توكله، فيدبر الأمور ويعتزمها ثم يفوض أمر مصايرها إليه سبحانه وتعالى، ويقتضي الاعتصام بالله أن يبتعد عن مواطن الريب، ولا يتبع الشبهات، كما قال تعالى:(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨).
ذلك بعض مظاهر الاعتصام بالذات العليّة، ولذا نجد أنه لَا حاجة إلى تقدير مضاف هو لفظ دين، وفوق ذلك فإن هذا التقدير لَا يستقيم معه نسق القول في