للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأمران مرادان مع، فإن مقتضى النص أن نأخذ جميعا بالشريعة كلها، لا نفرق بينها، ولا نتفرق في أمرها؛ ولذا قال سبحانه: (وَلا تَفَرَّقُوا) أي لَا تتفرقوا في أنفسكم، فلا يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا تتنادوا بنداء الجاهلية، ولا تتفرقوا في دينكم، فتذهبوا في فهمه شيعا وفرقا مختلفة، فتضلوا عن سبيل الله، ولا شيء يذهب بنور الحق المبين أكثر من اختلاف الأنظار في فهمه وإدراكه، والنظر إليه بروح التعصب الذي يغفل عن الاتجاه إلى الحق في كل جوانبه، ولذلك جاء النهي عن التفرق في الدين، فقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ. . .)، ولقد توقع النبي - صلى الله عليه وسلم - الافتراق لأمته، وأنه سيكون سبب ضعفها، وأن عودة قوتها في عودة اجتماعها، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، وإن بني إسرائيل تفرقت اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين، كلهم في النار إلا واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي " (١).

وإن الطريق للخروج من الافتراق هو الذهاب إلى لب الدين بإخلاص، ومن غير انحراف إلى طائفة دون أخرى، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لَا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مات والله عنه راض " (٢) فإنه لَا يفرق إلا الأهواء، ولا يهدي إلا الإخلاص، فإذا سيطرت الأهواء المنحرفة، سرى الضلال إلى النفس وإلى الفكر، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: " وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ " وَقَالَ عَمْرٌو: «الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ " (٣).


(١) رواه الترمذي: الإيمان - ما جاء في افتراق هذه الأمة (٢٥٦٥).
(٢) رواه ابن ماجه: المقدمة - الإيمان (٦٩) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٣) جزء من حديث رواه أبو داود: السنة - شرح السنة (٣٩٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>