للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَا اللَّه يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ) هذا نفي للظلم عن الله سبحانه، والتصريح بلفظ الجلالة في موضع الإضمار هنا، كان لمثل ما ذكرنا لتربية المهابة، وليكون ذلك تأكيدا لنفي الظلم، إذ كيف يظلم الموصوف بالألوهية، وحده، وكيف يريد الظلم مانح العالم كله الوجود؛ وقال: (لِلْعَالَمِينَ) وهم العقلاء في هذا الكون، لأنهم هم الذين يحسون بوقع الظلم وآلامه، ويشعرون بمتاعبه وآثامه، وأصل الظلم معناه النقص، ومن ذلك قوله تعالى: (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا. . .)، ثم أطلق على نقص الحقوق وهضمها، ومن ذلك قوله تعالى: (فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا)، وقوله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ. . .)، ثم أطلق الظلم على وضع الأمر في غير موضعه، حتى لقد قالوا فيمن حفر الأرض، ولم تكن موضعا للحفر إنه ظَلمها، ويقال عن التراب المظلوم، وعن الأرض المظلومة، ولقد قال الراغب في معنى الظلم: (الظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته ومكانه). والظلم الذي نفاه سبحانه وتعالى عن نفسه عام لَا يخص نوعا دون نوع، وهو نكرة في موضع النفي، ومن المقررات اللغوية أن النكرة في مقام النفي تعم ولا تخص، فالمعنى لَا يريد الله سبحانه وتعالى ظلما قط أي ظلم كان، فقد خلق السماوات والأرض بالحق، وربطهما وما فيهما بميزان لَا يتخلف بإرادته سبحانه وتعالى، فليس فيهما شيء إلا في موضعه، ودبر أمور الكون والناس بدقة وإحكام، وهو العليم الحكيم اللطيف الخبير السميع البصير، وأنزل سبحانه الشرائع بالحق والميزان، فليس فيها شيء إلا وهو عدل لَا ظلم فيه، وأساس الشرائع السماوية كلها العدل الذي يستطيعه الإنسان، وقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهُ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْي. . .). وبهذا نفَى الله سبحانه وتعالى الظلم عن نفسه، ونفَى أن يكون نظام شرعه فيه إباحة لظلم العباد فيما بينهم، ولذا قال سبحانه في حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>