للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن الله سبحانه إذ قد حكم بذلك، وهو أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، فقد أشار إلى أن السبب في ذلك كفرهم؛ لأن التعبير بالموصول يشير إلى أن سبب هذا الحكم هو الكفر. ولماذا اعتبر النص الكريم الكفر سببا لعدم غناء الأموال والأولاد، مع أن طبيعة هذا الوجود تجعلها غير مغنية مؤمنا أو كافرا؟ والجواب عن ذلك أن المؤمنين لَا يعتقدون أن أموالهم وأولادهم تغني عنهم من الله شيئا، فلم يكن ثمة حاجة للنفي بالنسبة لهم، وفوق ذلك فإن المؤمنين يتخذون من الأموال والأولاد سبيلا لرفع منار الحق وعزته، فهي تكفيهم بعض الكفاء، وإن كانت لَا تغنيهم عن الله تعالى، ولأن كلمة " تغني " في معناها دفع الأذى، والله سبحانه وتعالى منزل الأذى بالكافرين عقابا لجرائمهم ولشرورهم، وما تعرض المؤمن لهذا الأذى، فلا حاجة لهذا الدفع.

وفى ذلك النص السامي بحث لفظي، وهو تكرار النفي في قوله تعالى: (أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم) فـ " لا " هنا تفيد ثلاثة أمور: أولها - مزيد تأكيد للنفي الثابت بـ " لن ". وثانيها - أن تكرار " لا " يفيد أنهم كانوا يعتزون بالأموال والأولاد مجتمعين ويعتزون بأحدهما منفردا، فنفَى سبحانه وتعالى الغناء عنهما مجتمعين ومنفردين أيضا. وثالثها - أن المال يكون قوة في مواضع، والولد يكون قوة في مواضع، فتكرار النفي يستبين أنه لَا قوة تدفع مقت الله وغضبه لَا من المال ولا من الولد. وقد بين سبحانه تبعد ذلك عذاب الله تعالى الواقع الذي ليس له من دافع، ولا يغني فيه المال ولا الولد، فقال تعالى: (وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ):

الإشارة هنا إلى الذين كفروا، ليس لهم أمام الله ولي ولا نصير، ولا عون ولا دفاع، فالله سبحانه وتعالى يحكم عليهم وهو خير الحاكمين بأنهم أصحاب النار الخالدون فيها. فمعنى المصاحبة هنا الملازمة الدائمة المستمرة، و " لعل " في هذا التعبير إشارة إلى أنهم بعد أن كانوا يصطحبون في الدنيا أموالهم مفاخرين بها وأولادهم مستنصرين بهم، يصاحبون بدلهم في الآخرة نار الله الموقدة، وعذابه الأليم، وبعد أن تركوا نعيما غير مقيم استقبلهم شقاء دائم مستمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>