للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي لَا يقصد بها وجه الله ولا نفع الناس، ولكن يقصد التفاخر والتباهي والتنافر، والاستطالة على الناس بفضول القول، يذهب كل خيره، فالتعبير بقوله سبحانه: (فِيهَا صِرٌّ) فيه إيماء إلى أن الأذى والضرر الذي لابس المشبَّه وهو الإنفاق لم يكن من ذاته، ولكن من قلب المنفق ونينه، وغايته من الإنفاق، وإن هذا الإنفاق - كما قلنا وكما أشار النص القرآني الكريم - يحمل في ذاته موجب رده، وقد بيّن سبحانه أنه ضار مؤذ في الشطر الثاني من التشبيه، إذ قال سبحانه في وصف الريح: (أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْم ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأهْلَكَتْهُ).

الحرث هو الزرع، وأصل كلمة " حرث " فَلْح الأرض وإلقاء البذر فيها، ثم أطلقت في مجاز مشهور على ما هو نتيجة ذلك وهو الزرع، وقد أطلق على كل موضع يكون فيه إنتاج ولو لم بكن أرضاً وزرعا، كما قال تعالى: (نِسَاؤكُمْ حَرْثٌ لكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم. . .).

ومعنى التشبيه في جملته - كما دل على ذلك هذا النص الكريم والنص الذي سبقه - أن حال هذا الإنفاق الذي لم يقصد به وجه الله تعالى بل قصد به التفاخر وكسب الثناء وتحدث الناس بالعطاء، كمثل الريح التي تكون باردة بردا شديدا يتوقع منها الناس الخير لزرعهم، فتهلكه وتبيد خضراءه وتجعله حطاما، والجامع في هذا التشبيه بين المشبَّه والمشبه به هو أن كليهما كان يرجى خيره، ولكن بما لابسه من ضر وأذى صار مؤذيا.

وفى هذا التشبيه بيان أن الضرر لاحق بهم من هذا الإنفاق، ولاحق بالناس، لأنهم كانوا يعينون به على الشر، إذ كانوا ينفقونه في محاربة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإيذاء المؤمنين؛ وهو سبب في استعلائهم واستكبارهم، ولو حرموا المال والإنفاق لكان خيراً لهم.

في النص القرآني إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى يعاقب بالريح من يظلمون أنفسهم بارتكاب المعاصي، فقال سبحانه: (أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم فَأهْلَكَتْهُ)، فإن هذا النص السامي يومئ إلى أن الله تعالى يرسل في الدنيا عقابا

<<  <  ج: ص:  >  >>