للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مصنعه والزارع في مزرعته إذا قصد بعمله نفع الناس ووجه الله تعالى، فهو في عبادة، فالعبادة تعم كل أفعال الإنسان، واختصت من بينها الفرائض، لأنها لا يمكن أن تكون إلا لله تعالى، وهو عليم بذات الصدور.

وقد وصف الله - سبحانه وتعالى - ذاته العلية بصفات تدعو إلى العبادة، من له قلب يخشع، وعقل يخضع، فوصفه أولا بأنه الرب الأوحد، فقال (رَبَّكُمُ) أي رباكم ونماكم، أو وربكم: تولاكم، وكلأكم بالليل والنهار، ويتبع حياتكم، فيرعاكم حق الرعاية في كل أجزاء جسمكم، ونفوسكم وعقولكم، ولا تخفى عليه خافية من أموركم، وهو بهذه الربوبية يستحق أن تعبدوه وحده، لَا شريك له؛ لأنه لا أحد سواه يربكم.

ووصفه ثانيا بأنه (الَّذِي خَلَقَكُمْ) والخلق معناه الإنشاء والإبداع والتقدير والتصوير، صوركم، فأحسن صوركم، والعرب كانوا يعرفون الله تعالى، وأنه وحده الذي خلقهم، كما حكى الله تعالى عنهم: (وَلَئِن سَأَلْتَهم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ. . .) وكانوا يقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى. . .).

فهم يؤمنون بوحدة الخالق المنشئ المكون، ويؤمنون بوحدة الذات والصفات، وإشراكهم كان إشراك العبودية، فهم يعبدون مع الله غيره آلهة أخرى، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

ووصفه ثالثا بأنه خلق الذين من قبلهم، وقد يسأل سائل: لماذا كان هذا الوصف، والسابق يتضمنه، فمن خلق جيلا فإنه يخلق الأجيال كلها: من مضى، ومن حضر، ومن يجيء بعد ذلك من الأخلاف؟

والجواب على ذلك أنه لَا يغني المتضمن عن الصريح، وذكر الجيل السابق، أو الأجيال السالفة للإشارة أولا إلى عموم قدرته، وإلى أنه قادر على الإحياء والإماتة

<<  <  ج: ص:  >  >>