للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينصره، وهو القوي العزيز، وأن هذا يوجب أن يعمل الهادي والمرشد على أن يصون نفوس المؤمنين من أن يدخل إليها شياطين الإنس من المنافقين والمخادعين.

الثاني: أن ذلك فيه معنى التوبيخ لأولئك الذين تأثرت نفوسهم بأولئك المنافقين لأنه ما كان ينبغي لهم أن يستمعوا إلى دعاية المنافقين، أو أن يفتحوا لها بابا تدخل منه إلى قلوبهم، ولكن هكذا البشر تتسرب إلى نفوسهم وسوسة الشيطان من حيث لَا يشعرون.

وإن الطائفتين اللتين همتا بالفشل هما بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج، وكانا جناحي العسكر يوم أحد، وقد ذكر البخاري عن جابر قال: فينا نزلت: (إِذْ هَمَّت طَائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا). نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة، وما نحب أنها لم تنزل لقول الله عز وجل: (وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا) (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وإذا كان الله سبحانه وتعالى وليّ المؤمنين حتى من يهم أن يضعف متأثرا بحركات المنافقين، فإنه سبحانه وتعالى هو الذي يتوكل عليه المؤمنون، والمؤمن بوصف كونه مؤمنا لَا يعتمد على حليف أو نصير، وإنما يعتمد على الله تعالى وحده، فإذا كان المنافقون قد خذلوا المؤمنين في ساعة العسرة فإن الله معهم وناصرهم، ولن يخذلهم ما داموا آخذين بأوامره منتهين عن نواهيه، ولن يتمكن منهم في هذه الحال أعداؤهم (وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيط).

والتوكل الحقيقي لَا يستدعي ترك الأسباب، فإنه لَا توكل إلا بعد الأخذ بالأسباب، إذ إن حقيقة التوكل الذي طالب الله تعالى به هو أنه يأخذ بالأسباب ويستعد، ثم يترك الأمور لله تعالى، فإنه قد يعرض للإنسان ما ليس في حسبانه، فعليه أن يترك تلك المنطقة الغيبية لعلام الغيوب، والدليل على أن التوكل في القرآن والسنة يستدعي اتخاذ الأسباب، أنه يجتمع مع الجهاد والمشاورة، فالله

<<  <  ج: ص:  >  >>