للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنصوص عليه في الآية هو ربا الجاهلية، وهو الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع، إذ قال: " ألا إن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب " (١) ويبين بهذا أن المضاعفة هي في الزيادة لَا في أصل الدَّين، فهي التي لتضاعف سنة بعد أخرى، وذلك هو معنى اللفظ في واضح معناه؛ لأن المضاعفة في الآية موضوعها الربا، والربا ليس هو أصل الدَّين، إنما هو الزيادة عليه، وإن كلمة الربا مرادفة لكلمة الفائدة في لغة الاقتصاديين، فإذا قال قائل: لا تأكلوا الفائدة أضعافا مضاعفة، أفيكون المراد مضاعفة الدين أم مضاعفة الزيادة؟ وإن ضِعف الشيء معناه مثله ومعنى الإضعاف إضافة أمثاله، ومعنى ضاعفها أكثر من الإضعاف سنة بعد أخرى.

وهذا النوع من الربا هو الذي يسمى في لغة الصحابة والفقهاء بالنسيئة، وهو حرام لَا شك، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل إنه يكفر من يجحد تحريمه، وقال ابن عباس: لَا ربا إلا ربا النسيئة.

ويقابل ربا النسيئة ربما البيوع، وهو المنصوص عليه في حديث: " البُر بالبُر مثلا بمثل يدا بيد، والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد، والفضة بالفضة مثلا بمثل يداً بيد، والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد، والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزداد فقد أربى " (٢) وقد اتفق العلماء على أن بيع هذه الأصناف لابد أن يكون بغير زيادة إذا كانت بمثلها كقمح بقمح، ولابد من قبضها، وإذا اختلف الجنس كقمح بشعير جاز الزيادة، ولابد من القبض في المجلس، والتأخير يسمى ربا النَّساء، والزيادة المحرمة تسمى ربا الفضل، وما يماثل هذه الأصناف يكون لها مثل حرمتها كالأرز، والزيت ونحو ذلك، وقد اختلفوا في تعيين من يماثلها اختلافا طويلا قد دون في كتب الفقه، وأقرب الآراء في نظري هو قول حذاق المالكية: " إن علة التحريم هو الثمنية والطعم معا قبل


(١) رواه مسلم: الحج - حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (١٢١٨)، أبو داود: المناسك (١٦٢٨)، وابن ماجه (٣٠٦٥)، والدارمي (١٧٧٨) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٢) رواه مسلم: المساقاة - الصرف وبيع الذهب بالورِق (١٥٨٤)، وأحمد: باقي مسند المكثرين (١١٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>