جلائل نعمته لأنه هو المخرج، وهو المنبت، وهو الذي يُربى البذر، وينتج الثمر، وتلك أسباب وهو خالق الأسباب والمسببات، فالمولود لَا يولد بنطفة الفحل، ولكن بخلق الله تعالى، وجعل سبحانه وتعالى النطفة سبب الوجود.
وقال تعالى:(رِزْقًا لَّكمْ) ورزق بمعنى المرزوق، فهو فِعْل بمعنى المفعول، كطحْن بمعنى المطحون، ونقض بمعنى المنقوض، وتنكير رزق إنما هو للبعضية، فالثمرات بعض الرزق الذي رزقه الله تعالى، فالنعم رزق من رزق الله تعالى لعباده، والفلزات في باطن الأرض من رزق الله تعالى لعباده، والسمك اللحم الطري من رزق الله تعالى، واللآلئ في البحار من رزق الله تعالى، فتنكير (رِزْقًا) في هذه الآية الكريمة التي نذكر معانيها للدلالة على البعضية، أي أنه بعض ما رزق الله:(وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا. . .).
وإنه إذا كانت هذه القدرة القاهرة التي خلقت الحاضرين والماضين ومهدت لهم الأرض تمهيدا، وجعلت لهم السماء سقفا محفوظا، وأنعمت برزق من زواج السماء بالأرض، وأخرجت لهم منها بعض رزق الله، وهو كثير، فهو وحده المستحق للعبادة وحده، إذ لَا قدرة لبشر ولا لحجر أن ينشئ خلقا أو يرزق رزقا؛ إذ لا ينفع ولا يضر؛ ولذا قال تعالى بعد هذه النعم في الخلق والتكوين:(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّه أَندادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) الجعل هنا هو الاتخاذ، والند هو المثل الذي يفرض فيه أنه مماثل مناوئ، كما تقول فلان ند لفلان أي مثل مناوئ كفء له.
وهؤلاء المشركون مع إيمانهم بأن الله خالق كل شيء، ومجري النعم، ومنزل السحاب، مع علمهم بذلك يتخذون الأنداد ويشركون بها، يعبدونها مع الله سبحانه وتعالى وكأنها ند لله تعالى في زعمهم، وإنهم يفعلون ذلك، وهم يعلمون، أي هم يعلمون أن الله وحده هو خالق كل شيء، وأنه منزل النعم، وأنهم لَا يستجيرون إلا به أو نقول:(وَأَنتمْ تَعْلَمُونَ) أنهم من أهل المعرفة والإدراك، والفهم والذكاء، ولا يليق بذكائهم أن يجعلوا المخلوق كالخالق، ومن لَا يضر ولا ينفع كمن يملك الضر والنفع، أو إنهم يعقلون ويدركون، فذلك حث لهم على الإيمان بإثارة علمهم وعقلهم وتفكيرهم.