للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧). ومعنى قوله تعالى: (ذَكَرُوا اللَّهَ) أي تذكروا أوامره ونواهيه وتذكروا عظمة الله تعالى وجلاله وقوته، ولذكر الله تعالى مرتبتان (إحداهما) ذكر أوامره ونواهيه وما أعده للمذنبين وما أعده للمتقين (والثانية) وهي العليا ذكر جلاله وعظمته وعلمه بما تخفي الصدور وهذه لَا ينالها إلا الأبرار المقربون.

وإن ذكر الله تعالى لابد أن يتبعه لَا محالة الاستغفار والإنابة، ولذا عقبه سبحانه بقوله: (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) فهو ثمرة ملازمة ونتيجة محتمة للذكر.

(وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوِا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الكلام موصول بالكلام السابق، وقوله تعالى: (ومن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) فيه بيان إجابة الاستغفار وفِيه بيان أنه لَا مفزع من الله إلا إليه، ولذا يقول الزمخشري في قوله تعالى: (ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّه) " وصف لذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة، وإن التائب من الذنب عنده كمن لَا ذنب له، وإنه لَا مفزع للمذنبين إلا فضله، وأن عدله يوجب المغفرة للتائب لأن العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز، وفيه تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتوبة وبعث عليها، وردع عن اليأس والقنوط، وإن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم ". وذلك كلام مستقيم لولا أنه أوجب المغفرة حيث التوبة، والله تعالى لا يجب عليه شيء، وإن رحمة الله بعباده مع علمه بطبيعة تكوينهم الذي يتنازعه الخير والشر جعلت المغفرة قريبة، ولذا ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم " (١) وشرط الاستغفار المجاب ألا يصر المذنب على ذنبه، ولذا قال تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي لم يصروا على الفعل الذي فعلوه بأن تكون


(١) رواه مسلم: التوبة - سقوط الذنوب بالاستغفار توبة (٩ ٢٧٤)، وأحمد: باقي مسند المكثرين (٧٧٣٦).
عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>