للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأن الحرب لَا تخلو من فرح ونكاية، أم حسبتم وظننتم أنكم تدخلون الجنة من غير أن يصيبكم الجرح، وتدموا (١) في الحروب، ويكون منكم شهداء. وقوله تعالى: (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ).

المراد من العلم فيها المعلوم، أي ولا يستبن لكم أمركم، ويظهر لكم جهاد المجاهدين وصبر الصابرين، فالمعنى ظهور علم الله الواقع فيكم وبيانه لكم، وذلك لأن الله يعلم الأمور قبل وقوعها، فلا يتصور أن يكون غير عالم حتى تقع، بل المراد وقوع ما علمه الله تعالى وظهوره وكشفه وإعلانه مُحَسا واقعا، بعد أن كان خفيا لَا يعلمه إلا علام الغيوب، وقد تكلموا في الحكمة في أن الله تعالى عبر في نفي المعلوم الواقع بنفي العلم الثابت، فقال: (وَلَمَّا يَعْلَم اللَّهُ) ولم يقل: ولا يقع معلوم الله، ونقول: إن حكمة ذلك هو تعليمنا بألا نحكم إلا بما يظهر ويقوم عليه الدليل المحسوس، ولا يحكم أحد بما يتوقع، فالله العليم بكل شيء يرشد إلى أنه يترك الحكم في الأمر حتى يقع ما حكم به محسوسا ملموسا.

وقد نفى الله تعالى " العلم " بكلمة " ولا " وهي في معنى لم، بيد أنها تمتاز عنها بأنها تنفي الآمر في الماضي والحاضر، وتؤمى إلى وقوعه في المستقبل، ففي الآية إيماء إلى أن المعلوم وهو المجاهدون، لم يكونوا معلومين قبل الاختبار، وكانوا بعد الاختبار، وظهرت تلك الصفة فيهم. (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).

أي ويقع المعلوم الثاني الذي قدره الله تعالى، وهو أن يتميز الصابرون من غيرهم، فالابتلاء الشديد أظهر نوعين من الرجال: أولهما - المجاهدون الذين يخالدون ولا يفرون ولا يولون الأدبار، ولا يذهب ببأسهم قوة عدوهم، وفشل فريق من إخوانهم. والفريق الثاني الذي أظهره هم الذين صبروا ولم تذهب قلوبهم شعاعا، ولم يذهب تفكيرهم، ولم يضع رشدهم، ولم تطش أحلامهم، وقد يقول قائل: إن الجهاد يتضمن الصبر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الصبر عند


(١) من دَمِي: إذا تلوث بالدم. الصحاح. والمقصود هنا ما أصابهم من جراحات وقتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>