للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسالات ربه، وأتم بيان دينه، ولذا وبخ المؤمنين على ما كان منهم يوم أحد إذ ذاع في وسطهم أن محمدا قد قتل، فقال تعالى: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ).

الفاء هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أو للإفصاح عن شرط مقدر، والاستفهام للتوبيخ، والمعنى: أإذا مات وقد علمتم أن موته حق لَا ريب فيه، أو قتل في الميدان والقتل طريق من طرق الموت، انقلبتم على أعقابكم، أي عدتم كفارا بعد أن آمنتم، وعباد أوثان بعد أن صرتم من أهل التوحيد، وضلالا بعد أن اهتديتم، والتعبير عن ذلك بقوله تعالى: (انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) تصوير سامٍ لمن ضل بعد أن اهتدى، فهو تصوير لمن يرجع إلى الوراء وبصره إلى الأمام، وأعقابه هي التي تقوده، وهو منكس جعل رأسه في أسفل وعقبه في أعلى، وذلك أقبح منظر يكون للإنسان.

ولكن هل وقع ذلك الضلال أو كان ما يدل على احتمال وقوعه. يروى في ذلك أن عبد الله بن قمئة الحارثي أقبل يريد قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتصدى له مصعب بن عمير حامل راية المؤمنين فقتله المشرك، وظن أنه الرسول فأذاع ذلك في المشركين، وانتقل الخبر إلى بعض المؤمنين، إذ قد اختلط الحابل بالنابل، فريعت قلوب بعض المسلمين وولوا مدبرين، وانطلق المنافقون يقولون: لو كان نبيا ما قتل، وثبت المؤمنون الصادقون، وقد مر أنس بن النضر، ووجد قوما خارت عزائمهم فقال لهم: يا قوم إن كان محمد قتل فإن رب محمد حي لَا يموت، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه. . اللهم أعذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل. وقد مر بعض المهاجرين بأنصاري يتشحط (١) في دمه، فقال له: أشعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال: إن كان قد قتل فقد بلغ، فقاتلوا على دينكم، ولقد صاح بعض المجاهدين في وسط ذلك البلاء: يا معشر المؤمنين إن كان محمد قد أصيب أفلا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به.


(١) أي يتخبط فيه ويضطرب وتمرغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>