للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد كانت ضراعتهم إلى ربهم بالدعاء تتجه إلى ثلاثة أمور:

أولها: طلب غفران الذنب والإسراف، والذنب هو التقصير في حق الله تعالى، والإسراف في الأمور هو تجاوز الحد في الأمور، وأمرهم هو كل ما يتعلق بإجابة الله تعالى، فهم يستغفرون من التقصير في حق الله تعالى، وتجاوز حدود الله تعالى، وإن ذلك الدعاء مناسب للقتال لأن المقاتل إما أن يقصر فيتخاذل، وإما أن يتجاوز الحد فيقتل في غير حاجة إلى القتال، فكان هذا الدعاء في موضعه، وإن الإسراف في القتل من غير حاجة إلى القتل مؤاخذ عليه كالتقصير، فمن يقتل امرأة أو عاملا غير مقاتِل أو شيخا هرمًا لَا رأى له في القتال، أو يقتل أسيرا، أو يقتل بعد الأمان، يكون مسرفا في أمره، فيكون مؤاخذا، ولذلك طلبوا الاستغفار من الأمرين: التفريط والإفراط.

وإن طلبهم هذا يدل على سلامة قلوبهم، واستصغار عملهم، وذلك شأن الأتقياء، ولذا جاء في الكشاف في هذا المقام: (هذا القول، وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين كان هضما لها واستقصارا) ولقد كان دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني " (١).

الثاني: طلب تثبيت الأقدام بألا يهزموا ولا يفروا، بل يلاقوا الأعداء بصدورهم ولا يولوهم الأدبار، وفي تقديم الدعاء بالغفران إشارة إلى أنهم يقدمون طهارة نفوسهم وتزكية القلوب واعتبارها أساس الثبات والصبر في مواطن القتال، وجاء في الكشاف: " والدعاء بالاستغفار مقدما على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصرة على العدو ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاة وطهارة وخضوع وهو أقرب إلى الاستجابة ".


(١) رواه البخاري: الدعوات - قول النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم. . (٥٩٢٠) واللفظ له، ومسلم: الدعوات - التعوذ من شر ما عمل (٢٧١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>