للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنداء متجه ابتداء للمؤمنين المجاهدين الذين حضروا أُحدا، ووجد بينهم المنافقون ينادون بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويرجفون في المدينة، ووجد أيضا المترددون الضعفاء الذين استجابوا أو كانوا على استعداد للاستجابة، إذ دعا بعض المنافقين بأن يتوسطوا عند أبي سفيان لينجوا بأجسامهم.

ومع أن الخطاب ابتداء لهؤلاء له وجه عام، وهو نداء المؤمنين في كل الأجيال وفي كل الأحوال بألا يسايروا الكافرين، رجاء نصر، أو تحقق نفع، وألا يمالئوهم بأي نوع من أنواع الممالأة، فإن الكافرين في كل العصور لَا يريدون بالمؤمنين إلا خبالا، ولا يرجون لهم إلا أن يكونوا قوما بورا، فالآية الكريمة تحذر المؤمنين تحذيرا عاما بألا يطيعوا الكافرين، ولا يستنصروا بهم، ولا يجعلوا لهم ولاية عليهم، لأن ولايتهم غير ولاية الله، وولاية الله هي الولاية الحق، وهم موضع غضب الله تعالى دائما، والذي يتولاهم ويستنصر بهم، فإنما يتولى قوما غضب الله عليهم، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (١٣).

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى نتيجة إطاعة الكافرين في أي عصر من العصور إن كان هناك احتمال لذلك. فذكر في جواب الشرط نتيجتين، كلتاهما مترتبة على الأخرى، أولاهما: أشار إليها بقوله سبحانه: (يَردُّوكمْ عَلَى أَعْقَابكمْ)، والثانية المترتبة عليها: أشار إليها بقوله عز من قائل: (فَتَنقَلِبوا خَاسِرِينَ). ولنتكلم بكلمة موجزة في كل واحدة من هاتين النتيجتين المتلازمتين اللتين يقتضي وجود إحداهما وجود الأخرى:

فالنتيجة الأولى، وهي ردهم على أعقابهم، معناها أن يرجعوا إلى موضع الذلة الذي كانوا فيه قبل أن يؤذن لهم بالجهاد أو يرجعوا إلى ما كانوا عليه في غير انتظام وفي اضطراب، والمضطرب دائما لَا يملك زمام نفسه، والأعقاب جمع عقب، وهو مؤخر القدم، والتعبير بـ: (يَرُدُّوكمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)، فيه إشارات إلى أمور ثلاثة، أولها: أن هذا مطلب للكافرين، فإن أطعتموهم فقد حققتم لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>