مَوْلاكمْ) أي أن الله الخالق لكل ما في الوجود، والذي بيده مقاليد كل شيء، والمسيطر القوي الجبار القاهر فوق عباده هو مولاكم، فعليكم أن تطلبوا ولايته، ومن اعتصم به فقد آوى إلى ركن ركين، وحصن حصين، وذكر هذا الأمر بصيغة الخبر للإشارة إلى أن المؤمن بمقتضى كونه مؤمنا هو في ولاية الله تعالى فلا يخرج عنها، وولاية الله تعالى تقتضي أن يكون في ولاية المؤمنين، لَا يخرج عن جماعتهم ولا يسلك غير سبيلهم، ولا يطيع أعداءهم، أو يمالئهم، أو يسايرهم، فإن ذلك يكون محادة لله ولرسوله ومشاقة لله ولرسوله، والله تعالى يقول:(لا تَجدُ قَوْمًا يؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ. . .)، ويقول سبحانه جلت حكمته:(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥).
وإذا كانت النفوس الضعيفة تجد في الالتجاء إلى الكافرين بعض الحماية فلتعلم أن المعاذ والنصرة من عند الله؛ ولذا قال سبحانه:(وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ).
أي أن الله تعالى هو الذي ينصر المؤمنين، ونصره هو المؤكد المحتوم الباقي، وهو نصر مالك القوى كلها، والمسيطر على العالم بكل ما فيه ومن فيه وما تجري به الأسباب، وما ارتبطت به شئون الناس والكون، ولذلك كان نصره خير نصر، إذ هو أدومه وأقواه، وما عند الناس من نصر فهو ظاهري، ولا يتحقق إلا بأسباب قدَّرها، فهو المسيطر المريد لكل ما يقع في الكون، ونصر الله تعالى معه العزة، ونصر الناس معه الذلة، فمن استنصر بالله عز، ومن استنصر بالناس ذل، وهذا على أن، خير " وهي من أفعل التفضيل على بابه، وقيل: إن أفعل التفضيل هنا على غير بابه، وأن المعنى أنه لَا ناصر إلا الله، ولا ناصر سواه، فنصره هو النصر، ونصر غيره ليس بنصر. ثم بين سبحانه بعضا من أسباب نصره، فقال: