للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: (نَزَّلْنَا) تدل على التنزيل منجما زمنا بعد زمن، ولم ينزل دفعة واحدة، وكانوا يثيرون الشك حوله بسبب ذلك، وقد قال تعالى فيما حكى عنهم: (وَقَالَ الَّذِينَ كفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاه تَرتِيلًا)، فكان مما يثير ريبهم الباطل أن القرآن لم ينزل دفعة، ولكنه نزل منجما ليثبت به قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليتعلم ترتيله، ويعلمه أصحابه؛ وليحفظوه في الصدور ولا يكتفى بالسطور.

وذكر الله تعالى تنزيله على النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالت كلماته: (مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ذكره بالعبودية لله تعالى، وفي ذلك تشريف للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وبيان لحماية الله تعالى له، وبيان بأن الرسالة لَا تبعده عن مقام العبودية فهو عبد لله تعالى، ولن يستنكف أن يكون عبدا لله تعالى، وأن الله تعالى عاصمه في رسالته من الناس كما قال تعالى: (وَاللَّه يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. . .).

كان فعل الشرط هو قوله تعالى: (وَإِن كنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) وكان جواب الشرط هو التحدي بالمطلب العجز وهو قوله: (فَأْتوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) وهذا تحد للإعجاز، كما جاء في حكاية إبراهيم مع الطاغية عندما تحداه أن يأتي بالشمس من المغرب بدل المشرق إذ قال تعالى حكاية عن ذلك: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨). والتحدي: هو أن يأتوا بسورة من مثله: السورة عدد من الآيات أقلها ثلاث كما في قوله تعالى في سورة الكوثر: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هوَ الأَبْتَرُ)، وهي في أصلها من السُّور لأنها تحيط العدد من الآيات كأنها سور حولها، يحيط، أو من السورة وهي الدرجة الرفيعة،

<<  <  ج: ص:  >  >>